فَصْلٌ
وَمِنْ عُقُوبَاتِهَا: مَا
يُلْقِيهِ اللَّهُ سبحانه وتعالى مِنَ الرُّعْبِ وَالْخَوْفِ فِي قَلْبِ الْعَاصِي،
فَلاَ تَرَاهُ إِلاَّ خَائِفًا مَرْعُوبًا.
فَإِنَّ الطَّاعَةَ حِصْنُ
اللَّهِ الأَْعْظَمُ، مَنْ دَخَلَهُ كَانَ مِنَ الآْمِنِينَ مِنْ عُقُوبَاتِ
الدُّنْيَا وَالآْخِرَةِ، وَمَنْ خَرَجَ عَنْهُ أَحَاطَتْ بِهِ الْمَخَاوِفُ مِنْ
كُلِّ جَانِبٍ، فَمَنْ أَطَاعَ اللَّهَ انْقَلَبَتِ الْمَخَاوِفُ فِي حَقِّهِ
أَمَانًا، وَمَنْ عَصَاهُ انْقَلَبَتْ مَآمِنُهُ مَخَاوِفَ، فَلاَ تَجِدُ
الْعَاصِيَ إِلاَّ وَقَلْبُهُ كَأَنَّهُ بَيْنَ جَنَاحَيْ طَائِرٍ، إِنْ حَرَّكَتِ
الرِّيحُ الْبَابَ قَالَ: جَاءَ الطَّلَبُ، وَإِنْ سَمِعَ وَقْعَ قَدَمٍ خَافَ
أَنْ يَكُونَ نَذِيرًا بِالْعَطَبِ، يَحْسَبُ أَنَّ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِ،
وَكُلَّ مَكْرُوهٍ قَاصِدٌ إِلَيْهِ، فَمَنْ خَافَ اللَّهَ آمَنَهُ مِنْ كُلِّ
شَيْءٍ، وَمَنْ لَمْ يَخَفِ اللَّهَ أَخَافَهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ.
بِذَا قَضَى اللَّهُ بَيْنَ الْخَلْقِ مُذْ خُلِقُوا |
|
أَنَّ الْمَخَاوِفَ وَالأَْجْرَامَ فِي قَرَنِ |
****
الشرح
ومن عقوباتِ المعاصِي أن
صَاحبها يكُون ذليلاً خائفًا مُنكسرًا، خائفًا من كُل شيءٍ؛ يخافُ الناسَ، ويخافُ
من الآفاتِ والأمراضِ، ويخافُ من العَدو، خلافًا لصَاحب الطاعةِ فإنه يكُون قويًّا
جريئًا، ويكُون مُرتفع النفسِ والرأسِ، لأن اللهَ أعزَّه بطاعتِه، وأما الأوَّل
فإن اللهَ أذلَّه بمَعصيته؛ فالمعصِية ذُلٌّ والطاعةُ عِزّ، وهذا فَرق واضحٌ بينَ
أهلِ الطاعةِ وأهلِ المعصيةِ.
وقوله: «يَحْسَبُ أَنَّ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِ»،
كما قالَ تَعالى في المنافِقين { يَحۡسَبُونَ كُلَّ صَيۡحَةٍ
عَلَيۡهِمۡۚ} [المنافقون: 4] ،
دائمًا عِندهم خوفٌ، كُلما تحرَّك شَيء خَافوا أن يُصيبهم، لهذا يَقولون: مَن خافَ
اللهَ خافَ منه كُل شيءٍ، ومَن عَصى اللهَ خافَ مِن كُل شيءٍ.
***