فَصْلُ
وَمِنْهَا: أَنَّهُ
يَنْسَلِخُ مِنَ الْقَلْبِ اسْتِقْبَاحُهَا، فَتَصِيرُ لَهُ عَادَةً، فَلاَ
يَسْتَقْبِحُ مِنْ نَفْسِهِ رُؤْيَةَ النَّاسِ لَهُ، وَلاَ كَلاَمَهُمْ فِيهِ.
وَهَذَا عِنْدَ أَرْبَابِ
الْفُسُوقِ هُوَ غَايَةُ التَّهَتُّكِ وَتَمَامُ اللَّذَّةِ، حَتَّى يَفْتَخِرَ
أَحَدُهُمْ بِالْمَعْصِيَةِ، وَيُحَدِّثَ بِهَا مَنْ لَمْ يَعْلَمْ أَنَّهُ
عَمِلَهَا، فَيَقُولُ: يَا فُلاَنُ، عَمِلْتُ كَذَا وَكَذَا.
وَهَذَا الضَّرْبُ مِنَ
النَّاسِ لاَ يُعَافَوْنَ، وَتُسَدُّ عَلَيْهِمْ طَرِيقُ التَّوْبَةِ، وَتُغْلَقُ
عَنْهُمْ أَبْوَابُهَا فِي الْغَالِبِ، كَمَا قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم
: «كُلُّ أُمَّتِي مُعَافًى إِلاَّ الْمُجَاهِرُونَ، وَإِنَّ مِنَ الإِْجْهَارِ
أَنْ يَسْتُرَ اللَّهُ عَلَى الْعَبْدِ ثُمَّ يُصْبِحُ يَفْضَحُ نَفْسَهُ
وَيَقُولُ: يَا فُلاَنُ عَمِلْتُ يَوْمَ كَذَا وَكَذَا: كَذَا وَكَذَا، فَهَتَكَ
نَفْسَهُ، وَقَدْ بَاتَ يَسْتُرُهُ رَبُّهُ» ([1]).
وَمِنْهَا أَنَّ كُلَّ
مَعْصِيَةٍ مِنَ الْمَعَاصِي فَهِيَ مِيرَاثٌ عَنْ أُمِّةٍ مِنَ الأُْمَمِ الَّتِي
أَهْلَكَهَا اللَّهُ عز وجل . فَاللُّوطِيَّةُ: مِيرَاثٌ عَنْ قَوْمِ لُوطٍ،
وَأَخْذُ الْحَقِّ بِالزَّائِدِ وَدَفْعُهُ بِالنَّاقِصِ مِيرَاثٌ عَنْ قَوْمِ
شُعَيْبٍ، وَالْعُلُوُّ فِي الأَْرْضِ بِالْفَسَادِ مِيرَاثٌ عَنْ قَوْمِ
فِرْعَوْنَ، وَالتَّكَبُّرُ وَالتَّجَبُّرُ مِيرَاثٌ عَنْ قَوْمِ هُودٍ.
فَالْعَاصِي لاَبِسٌ ثِيَابَ
بَعْضِ هَذِهِ الأُْمَمِ، وَهُمْ أَعْدَاءُ اللَّهِ.
وَقَدْ رَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ فِي كِتَابِ الزُّهْدِ لأَِبِيهِ عَنْ مَالِكِ بْنِ دِينَارٍ قَالَ: «أَوْحَى اللَّهُ إِلَى نَبِيٍّ مِنْ أَنْبِيَاءِ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنْ قُلْ لِقَوْمِكَ: لاَ تدْخُلُوا مَدَاخِلَ أَعْدَائِي، وَلاَ تَلْبَسُوا مَلاَبِسَ أَعْدَائِي وَلاَ ترْكَبُوا مَرَاكِبَ أَعْدَائِي، وَلاَ تَطْعَمُوا مَطَاعِمَ أَعْدَائِي، فَتَكُونُوا أَعْدَائِي كَمَا هُمْ أَعْدَائِي» ([2]).
الصفحة 1 / 436