فَصْلٌ
وَمِنْهَا: أَنَّ
الْمَعْصِيَةَ سَبَبٌ لِهَوَانِ الْعَبْدِ عَلَى رَبِّهِ وَسُقُوطِهِ مِنْ
عَيْنِهِ.
قَالَ الْحَسَنُ
الْبَصْرِيُّ: «هَانُوا عَلَيْهِ فَعَصَوْهُ، وَلَوْ عَزُّوا عَلَيْهِ
لَعَصَمَهُمْ» ([1]).
وَإِذَا هَانَ الْعَبْدُ
عَلَى اللَّهِ لَمْ يُكْرِمْهُ أَحَدٌ، كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَمَن
يُهِنِ ٱللَّهُ فَمَا لَهُۥ مِن مُّكۡرِمٍۚ} [الْحَجِّ: 18] ، وَإِنْ عَظَّمَهُمُ النَّاسُ فِي
الظَّاهِرِ لِحَاجَتِهِمْ إِلَيْهِمْ أَوْ خَوْفًا مِنْ شَرِّهِمْ، فَهُمْ فِي
قُلُوبِهِمْ أَحْقَرُ شَيْءٍ وَأَهْوَنُهُ.
وَمِنْهَا: أَنَّ الْعَبْدَ
لاَ يَزَالُ يَرْتَكِبُ الذَّنْبَ حَتَّى يَهُونَ عَلَيْهِ وَيَصْغُرَ فِي
قَلْبِهِ، وَذَلِكَ عَلاَمَةُ الْهَلاَكِ، فَإِنَّ الذَّنَبَ كُلَّمَا صَغُرَ فِي
عَيْنِ الْعَبْدِ عَظُمَ عِنْدَ اللَّهِ.
وَقَدْ ذَكَرَ الْبُخَارِيُّ
فِي صَحِيحِهِ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: «إِنَّ الْمُؤْمِنَ يَرَى ذُنُوبَهُ
كَأَنَّهُ فِي أَصْلِ جَبَلٍ يَخَافُ أَنْ يَقَعَ عليه، وَإِنَّ الْفَاجِرَ يَرَى
ذُنُوبَهُ كَذُبَابٍ وَقَعَ عَلَى أَنْفِهِ، فَقَالَ بِهِ هَكَذَا فَطَارَ» ([2]).
****
الشرح
قد يَفتخر العاصِي بمَعصيته، ويَعتزُّ بنفسِه، ويرَى أنه بلغَ مِن الرُّقِيِّ والحَضارة والتقدُّم الشيءَ الكثيرَ، ولكِنه هَيِّن عندَ اللهِ جل وعلا ، ومِن هَوانه أن اللهَ تركَه في المَعصية، ولو كَان كريماً على اللهِ لكرَّه إليه المَعصية، كَما قالَ اللهُ تبارك وتعالى : { وَٱعۡلَمُوٓاْ أَنَّ فِيكُمۡ رَسُولَ ٱللَّهِۚ لَوۡ يُطِيعُكُمۡ فِي كَثِيرٖ مِّنَ ٱلۡأَمۡرِ لَعَنِتُّمۡ وَلَٰكِنَّ ٱللَّهَ حَبَّبَ إِلَيۡكُمُ ٱلۡإِيمَٰنَ وَزَيَّنَهُۥ فِي قُلُوبِكُمۡ وَكَرَّهَ إِلَيۡكُمُ ٱلۡكُفۡرَ وَٱلۡفُسُوقَ وَٱلۡعِصۡيَانَۚ} [الحجرات: 7] .
الصفحة 1 / 436