فأهلُ الإيمانِ يُحَبِّب
اللهُ إليهم الطاعاتِ، ويكرِّه إليهم ضِدَّها، وأهلُ الشقاءِ بالعَكس يحبِّب اللهُ
إليهم المَعاصي، ويكرِّه إليهم الطاعاتِ، ولو أكرمَهم لمَنَعَهم مِن المَعاصي،
وشَغَلَهم بالطاعاتِ؛ لأن اللهَ جل وعلا يُعطي الدُّنيا لمَن يُحِبّ ومن لا
يُحِبّ، أما هذا الدِّين فلا يُعطيه إلا لمن يُحِبّ.
وقوله: «إِنْ عَظَّمَهُمُ النَّاسُ فِي الظَّاهِرِ»؛
لأن الناسَ قد يُعظِّمون صاحبَ المعصيةِ لغرضٍ من الأغراضِ، إما لطمعٍ فيما عِنده،
أو خوفاً منه لجَبَرُوته، فهم يُعظِّمونه في الظاهرِ لكنهم في قُلوبهم يَلعنونه
ويَحتقرونه.
فليسَ تَعظيم الناسِ للشخصِ
دليلاً على أنه عظيمٌ عِند اللهِ عز وجل إلا إذا كانَ على طاعةٍ، وقد جاءَ في
الحَديث أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «إِذَا
أَحَبَّ اللهُ العَبْدَ نَادَى جِبْرِيلُ: إِنَّ اللهَ يُحِبُّ فُلاَنًا
فَأَحْبِبْهُ، فَيُحِبُّهُ جِبْرِيلُ، فَيُنَادِي جِبْرِيلُ فِي أَهْلِ
السَّمَاءِ: إِنَّ اللهَ يُحِبُّ فُلاَنًا فَأَحِبُّوهُ، فَيُحِبُّهُ أَهْلُ
السَّمَاءِ، ثُمَّ يُوضَعُ لَهُ القَبُولُ فِي الأَرْضِ» ([1]).
فإذا كانَ هذا الشخصُ على
طاعةٍ فتعظيمُ الناسِ له في مكانِه؛ لأن اللهَ أحبَّه فهم يُحِبّونه، وأمَّا إذا
كانَ على مَعصيةٍ فتعظيمُهم إنما هو في الظَّاهر، وأما في البَاطن فهُم يَحتقرونه.
وقوله: «أَنَّ الْعَبْدَ لاَ يَزَالُ يَرْتَكِبُ الذَّنْبَ حَتَّى يَهُونَ عَلَيْهِ وَيَصْغُرَ فِي قَلْبِهِ»، هذا كمَا سبقَ أنه يتهاونُ بالمَعاصي، وتَصير عليه سهلةً ولا يَسْتَعِيبها، قالَ اللهُ تبارك وتعالى : { وَتَحۡسَبُونَهُۥ هَيِّنٗا وَهُوَ عِندَ ٱللَّهِ عَظِيمٞ} [النور: 15] . فقد يَسْتَصْغِر الإنسانُ الذنبَ والمَعصية، وهي عظيمةٌ عِندَ اللهِ جل وعلا .
([1])أخرجه: البخاري رقم (3209)، ومسلم رقم (2637).