فَصْلٌ
فقَدْ تَبَيَّنَ الْفَرْقُ
بَيْنَ حُسْنِ الظَّنِّ وَالْغُرُورِ، وَأَنَّ حُسْنَ الظَّنِّ إِنْ حَمَلَ عَلَى
الْعَمَلِ، وَحَثَّ عَلَيْهِ، وَسَاقَ إِلَيْهِ، فَهُوَ صَحِيحٌ، وَإِنْ دَعَا
إِلَى الْبِطَالَةِ وَالاِنْهِمَاكِ فِي الْمَعَاصِي، فَهُوَ غُرُورٌ. وَحُسْنُ
الظَّنِّ هُوَ الرَّجَاءُ، فَمَنْ كَانَ رَجَاؤُهُ هَادِيًا لَهُ إِلَى
الطَّاعَةِ، زَاجِرًا لَهُ عَنِ الْمَعْصِيَةِ، فَهُوَ رَجَاءٌ صَحِيحٌ، وَمَنْ
كَانَتْ بِطَالَتُهُ رَجَاءً، وَرَجَاؤُهُ بِطَالَةً وَتَفْرِيطًا، فَهُوَ
الْمَغْرُورُ.
****
الشرح
قوله: «فقَدْ تَبَيَّنَ الْفَرْقُ بَيْنَ حُسْنِ
الظَّنِّ وَالْغُرُورِ»، حسنُ الظنِّ باللهِ جل وعلا يكونُ مع عملِ الأسبابِ،
لا أن يُحسِن الظنَّ فقط ويَترُك الأسبابَ، هذا هو الظنُّ المَحمود: أن تَظُنّ
برَبِّك خيرًا، وتَعمل الأعمالَ الصالحةَ التي تنالُ بها رحمةَ اللهِ عز وجل ، أما
الذِي يُحسِن الظنَّ باللهِ ولا يَعمل، ويُبارز اللهَ بالمَعاصي والمُخالفات، فهذا
ليسَ من حُسن الظنِّ وإنما مِن الغُرور، ففَرْقٌ بينَ الغُرور وحسنِ الظنِّ.
وقوله: «فَمَنْ كَانَ رَجَاؤُهُ هَادِيًا لَهُ إِلَى الطَّاعَةِ، زَاجِرًا لَهُ عَنِ الْمَعْصِيَةِ، فَهُوَ رَجَاءٌ صَحِيحٌ»، هذا ظنه صحيحٌ ومَحمود، أما الذِي يَعمل ما يَشاء من المَعاصي، ويقول: اللهُ غفورٌ رَحيم. ولا يتوبُ ولا يتركُ المَعاصي، ولا يعملُ الطاعاتِ، فهذا غُرور باللهِ سبحانه وتعالى . فكما أنه غَفور رحيمٌ، فهو شديدُ العِقاب: {وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغۡفِرَةٖ لِّلنَّاسِ عَلَىٰ ظُلۡمِهِمۡۖ وَإِنَّ رَبَّكَ لَشَدِيدُ ٱلۡعِقَابِ} [الرعد: 6] ، {غَافِرِ ٱلذَّنۢبِ وَقَابِلِ ٱلتَّوۡبِ شَدِيدِ ٱلۡعِقَابِ} [غافر: 3] ، فلا تأخُذ جانباً وتترُك الجانبَ الآخرَ، أتأخذُ المغفرةَ والرحمةَ، وتترُك شِدَّةَ العِقاب؟! تأخذُ هذا وهذا، فحُسن الظنِّ لا يُقنِّطك من رحمةِ اللهِ، والخَوف مِن العِقاب لا يَتْرُكُكَ تَعمل المَعاصي وتَتساهل فيها.
الصفحة 1 / 436