فَصْلٌ
وَمِنْ عُقُوبَتِهَا:
أَنَّهَا تُضْعِفُ سَيْرَ الْقَلْبِ إِلَى اللَّهِ وَالدَّارِ الآْخِرَةِ، أَوْ
تَعُوقُهُ أَوْ تُوقِفُهُ وَتَقْطَعُهُ عَنِ السَّيْرِ، فَلاَ تَدَعُهُ يَخْطُو
إِلَى اللَّهِ خُطْوَةً. هَذَا إِنْ لَمْ تَرُدَّهُ عَنْ وُجْهَتِهِ إِلَى
وَرَائِهِ، فَالذَّنْبُ يَحْجِبُ الْوَاصِلَ، وَيَقْطَعُ السَّائِرَ، وَيُنَكِّسُ
الطَّالِبَ، وَالْقَلْبُ إِنَّمَا يَسِيرُ إِلَى اللَّهِ بِقُوَّتِهِ، فَإِذَا
مَرِضَ بِالذُّنُوبِ ضَعُفَتْ تِلْكَ الْقُوَّةُ الَّتِي تُسَيِّرُهُ، فَإِنْ
زَالَتْ بِالْكُلِّيَّةِ انْقَطَعَ عَنِ اللَّهِ انْقِطَاعًا يَبْعُدُ
تَدَارُكُهُ، وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ.
****
الشرح
ومن عُقوبات المعاصِي: «أَنَّهَا تُضْعِفُ سَيْرَ الْقَلْبِ إِلَى
اللَّهِ وَالدَّارِ الآْخِرَةِ»، فإذا تعطَّل القلبُ عن تذكُّر الآخرةِ
والعَمل لها فهَذه عُقوبة عظيمةٌ من أعظمِ عقوباتِ المعاصِي، فالمعاصِي لا تَذهب
سُدى يفعلُها الإنسانُ وتَنتهي وتَروح! بل تؤثِّر في قَلبه الذِي هو أعظمُ شيءٍ في
بَدنه، كما قالَ تَعالى: { فَإِنَّهَا لَا تَعۡمَى ٱلۡأَبۡصَٰرُ
وَلَٰكِن تَعۡمَى ٱلۡقُلُوبُ ٱلَّتِي فِي ٱلصُّدُورِ } [الحج: 46] .
وعَمى القَلب أشدُّ من عَمى
البَصر، لأن أعمَى البصرِ قد يكُون من أعظمِ عِباد اللهِ عِبادة وعلمًا وورعًا؛
لأن قَلبه حيٌّ ومُبصِر، وكم مِن أَعمى من خَواص أولياءِ اللهِ، ومن أكابرِ
العُلماء ما ضرَّهُ فَقْدُ البَصر؛ كابنِ عبَّاس، وابن عُمرَ في آخرِ حَياتهما.
وكثيرٌ من عُلماء المسلمينَ ما ضرَّهم عَمى البَصر، بينما كَثير من الناسِ أَبصارهم قويَّة وعُيونهم سَليمة، لكِن في قُلوبهم عَمى، وهو عَمى البصيرةِ.
الصفحة 1 / 436