فَصْلٌ
وَكَثِيرٌ مِنَ الْجُهَّالِ
اعْتَمَدُوا عَلَى رَحْمَةِ اللَّهِ وَعَفْوِهِ وَكَرَمِهِ، وَضَيَّعُوا أَمْرَهُ
وَنَهْيَهُ، وَنَسُوا أَنَّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ، وَأَنَّهُ لاَ يُرَدُّ بِأْسُهُ
عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ.
وَمَنِ اعْتَمَدَ عَلَى
الْعَفْوِ مَعَ الإِْصْرَارِ فَهُوَ كَالْمُعَانِدِ.
قَالَ مَعْرُوفٌ: «رَجَاؤُكَ
لِرَحْمَةِ مَنْ لاَ تُطِيعُهُ مِنَ الْخِذْلاَنِ وَالْحُمْقِ» ([1]).
وَقَالَ بَعْضُ
الْعُلَمَاءِ: مَنْ قَطَعَ عُضْوًا مِنْكَ فِي الدُّنْيَا بِسَرِقَةِ ثَلاَثَةِ
دَرَاهِمَ، لاَ تَأْمَنُ أَنْ تَكُونَ عُقُوبَتُهُ فِي الآْخِرَةِ عَلَى نَحْوِ
هَذَا.
****
الشرح
كثيرٌ من الجُهَّال يأخذونَ
طرفًا من الأدلَّة، ويَتركون الطرفَ الآخرَ، والله جل وعلا كما أنه غَفورٌ رحيمٌ
فهو شَديد العِقاب: {وَإِنَّ
رَبَّكَ لَذُو مَغۡفِرَةٖ لِّلنَّاسِ عَلَىٰ ظُلۡمِهِمۡۖ وَإِنَّ رَبَّكَ
لَشَدِيدُ ٱلۡعِقَابِ} [الرعد: 6] ، {غَافِرِ ٱلذَّنۢبِ وَقَابِلِ
ٱلتَّوۡبِ شَدِيدِ ٱلۡعِقَابِ} [غافر: 3] ، فلمَاذا يأخذونَ بأوَّل الآيةِ ويَتركون
آخرَها؟! فاللهُ سبحانه وتعالى كما أنه غَفورٌ فهو شديدُ العِقاب، غفورٌ لمَن تابَ
وآمنَ، وشديدُ العقابِ لمَن كفرَ وأعرضَ وعاندَ.
قوله: «رَجَاؤُكَ لِرَحْمَةِ مَنْ لاَ تُطِيعُهُ مِنَ الْخِذْلاَنِ وَالْحُمْقِ»، فإذا رَجَوْته فأَطِعه، أرأيتَ لو أنك ذهبتَ إلى رجلٍ من أهلِ الأموالِ والمُحسنين تَتحرَّى منه أنه يُعطِيك مِن المَال، ثم سَببته وشَتمته
الصفحة 1 / 436