×
تعْليقَاتٌ على الجَوابِ الكَافي الجزء الأول

 فَصْلٌ

وَمِنْ عُقُوبَاتِهَا: أَنَّهَا تَسْتَجْلِبُ مَوَادَّ هَلاَكِ الْعَبْدِ مِنْ دُنْيَاهُ وَآخِرَتِهِ؛ فَإِنَّ الذُّنُوبَ هِيَ أَمْرَاضٌ، مَتَى اسْتَحْكَمَتْ قَتَلَتْ وَلاَبُدَّ.

وَكَمَا أَنَّ الْبَدَنَ لاَ يَكُونُ صَحِيحًا إِلاَّ بِغِذَاءٍ يَحْفَظُ قُوَّتَهُ، وَاسْتِفْرَاغٍ يَسْتَفْرِغُ الْمَوَادَّ الْفَاسِدَةَ وَالأَْخْلاَطَ الرَّدِيَّةَ، الَّتِي مَتَى غَلَبَتْ أَفْسَدَتْهُ، وَحِمْيَةٍ يَمْتَنِعُ بِهَا مِمَّا يُؤْذِيهِ وَيَخْشَى ضَرَرَهُ، فَكَذَلِكَ الْقَلْبُ لاَ تَتِمُّ حَيَاتُهُ إِلاَّ بِغِذَاءٍ مِنَ الإِْيمَانِ وَالأَْعْمَالِ الصَّالِحَةِ، تَحْفَظُ قُوَّتَهُ، وَاسْتِفْرَاغٍ بِالتَّوْبَةِ النَّصُوحِ، تَسْتَفْرِغُ الْمَوَادَّ الْفَاسِدَةَ وَالأَْخْلاَطَ الرَّدِيَّةَ مِنْهُ، وَحِمْيَةٍ تُوجِبُ لَهُ حِفْظَ الصِّحَّةِ وَتَجَنُّبَ مَا يُضَادُّهَا، وَهِيَ عِبَارَةٌ عَنِ اسْتِعْمَالِ مَا يُضَادُّ الصِّحَّةَ.

وَالتَّقْوَى: اسْمٌ مُتَنَاوِلٌ لِهَذِهِ الأُْمُورِ الثَّلاَثَةِ، فَمَا فَاتَ مِنْهَا فَاتَ مِنَ التَّقْوَى بِقَدَرِهِ.

وَإِذَا تَبَيَّنَ هَذَا فَالذُّنُوبُ مُضَادَّةٌ لِهَذِهِ الأُْمُورِ الثَّلاَثَةِ، فَإِنَّهَا تَسْتَجْلِبُ الْمَوَادَّ الْمُؤْذِيَةَ، وَتُوجِبُ التَّخْطِيطَ الْمُضَادَّ لِلْحِمْيَةِ، وَتَمْنَعُ الاِسْتِفْرَاغَ بِالتَّوْبَةِ النَّصُوحِ.

فَانْظُرْ إِلَى بَدَنٍ عَلِيلٍ قَدْ تَرَاكَمَتْ عَلَيْهِ الأَْخْلاَطُ وَمَوَادُّ الْمَرَضِ، وَهُوَ لاَ يَسْتَفْرِغُهَا، وَلاَ يَحْتَمِي لَهَا، كَيْفَ تَكُونُ صِحَّتُهُ وَبَقَاؤُهُ؟! وَلَقَدْ أَحْسَنَ الْقَائِلُ:

جِسْمُكَ بِالْحِمْيَةِ حَصَّنْتَهُ

 

مَخَافَةً مِنْ أَلَمٍ طَارِي

وَكَانَ أَوْلَى بِكَ أَنْ تَحْتَمِي

 

مِنَ الْمَعَاصِي خَشْيَةَ الْبَارِي

فَمَنْ حَفِظَ الْقُوَّةَ بِامْتِثَالِ الأَْوَامِرِ، وَاسْتَعْمَلَ الْحِمْيَةَ بِاجْتِنَابِ النَّوَاهِي، وَاسْتَفْرَغَ التَّخْطِيطَ بِالتَّوْبَةِ النَّصُوحِ، لَمْ يَدَعْ لِلْخَيْرِ مَطْلَبًا، وَلاَ مِنَ الشَّرِّ مَهْرَبًا، وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ.

***


الشرح