فَصْلٌ
وَأَمَّا الشِّرْكُ فِي
الْعِبَادَةِ فَهُوَ أَسْهَلُ مِنْ هَذَا الشِّرْكِ، وَأَخَفُّ أَمْرًا، فَإِنَّهُ
يَصْدُرُ مِمَّنْ يَعْتَقِدُ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ، وَأَنَّهُ لاَ
يَضُرُّ وَلاَ يَنْفَعُ وَلاَ يُعْطِي وَلاَ يَمْنَعُ إِلاَّ اللَّهُ، وَأَنَّهُ
لاَ إِلَهَ غَيْرُهُ، وَلاَ رَبَّ سِوَاهُ، وَلَكِنْ لاَ يَخُصُّ اللَّهَ فِي
مُعَامَلَتِهِ وَعُبُودِيَّتِهِ، بَلْ يَعْمَلُ لِحَظِّ نَفْسِهِ تَارَةً،
وَلِطَلَبِ الدُّنْيَا تَارَةً، وَلِطَلَبِ الرِّفْعَةِ وَالْمَنْزِلَةِ
وَالْجَاهِ عِنْدَ الْخَلْقِ تَارَةً، فَلِلَّهِ مِنْ عَمَلِهِ وَسَعْيِهِ
نَصِيبٌ، وَلِنَفْسِهِ وَحَظِّهِ وَهَوَاهُ نَصِيبٌ، وَلِلشَّيْطَانِ نَصِيبٌ،
وَلِلْخَلْقِ نَصِيبٌ، وَهَذَا حَالُ أَكْثَرِ النَّاسِ.
وَهُوَ الشِّرْكُ الَّذِي
قَالَ فِيهِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فِيمَا رَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي
صَحِيحِهِ: «الشِّرْكُ فِي هَذِهِ الأُْمَّةِ أَخْفَى مِنْ دَبِيبِ النَّمْلِ»،
قَالُوا: كَيْفَ نَنْجُو مِنْهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «قُلْ: اللَّهُمَّ
إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أُشْرِكَ بِكَ وَأَنَا أَعْلَمُ، وَأَسْتَغْفِرُكَ لِمَا
لاَ أَعْلَمُ» ([1]).
فَالرِّيَاءُ كُلُّهُ
شِرْكٌ، قَالَ تَعَالَى: {قُلۡ إِنَّمَآ أَنَا۠
بَشَرٞ مِّثۡلُكُمۡ يُوحَىٰٓ إِلَيَّ أَنَّمَآ إِلَٰهُكُمۡ إِلَٰهٞ وَٰحِدٞۖ
فَمَن كَانَ يَرۡجُواْ لِقَآءَ رَبِّهِۦ فَلۡيَعۡمَلۡ عَمَلٗا صَٰلِحٗا وَلَا
يُشۡرِكۡ بِعِبَادَةِ رَبِّهِۦٓ أَحَدَۢا} [الْكَهْفِ: 110] . أَيْ: كَمَا أَنَّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ،
وَلاَ إِلَهَ سِوَاهُ، فَكَذَلِكَ يَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ الْعِبَادَةُ لَهُ
وَحْدَهُ، فَكَمَا تَفَرَّدَ بِالإِْلَهِيَّةِ يَجِبُ أَنْ يُفْرَدَ
بِالْعُبُودِيَّةِ، فَالْعَمَلُ الصَّالِحُ هُوَ الْخَالِي مِنَ الرِّيَاءِ
الْمُقَيَّدُ بِالسُّنَّةِ.
وَكَانَ مِنْ دُعَاءِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنه : «اللَّهُمَّ اجْعَلْ عَمَلِي كُلَّهُ صَالِحًا، وَاجْعَلْهُ لِوَجْهِكَ خَالِصًا، وَلاَ تَجْعَلْ لأَِحَدٍ فِيهِ شَيْئًا» ([2]).
([1])أخرجه: أحمد رقم (19606)، وأبي يعلى رقم (85)، وابن أبي شيبة في مصنفه رقم (29547).
الصفحة 1 / 436