وَهَذَا الشِّرْكُ فِي
الْعِبَادَةِ يُبْطِلُ ثَوَابَ الْعَمَلِ، وَقَدْ يُعَاقَبُ عَلَيْهِ إِذَا كَانَ
الْعَمَلُ وَاجِبًا، فَإِنَّهُ يُنْزِلُهُ مَنْزِلَةَ مَنْ لَمْ يَعْمَلْهُ،
فَيُعَاقَبُ عَلَى تَرْكِ الأَْمْرِ، فَإِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ إِنَّمَا أَمَرَ
بِعِبَادَتِهِ عِبَادَةً خَالِصَةً، قَالَ تَعَالَى: {وَمَآ أُمِرُوٓاْ إِلَّا
لِيَعۡبُدُواْ ٱللَّهَ مُخۡلِصِينَ لَهُ ٱلدِّينَ حُنَفَآءَ} [الْبَيِّنَةِ: 5]
. فَمَنْ لَمْ يُخْلِصْ لِلَّهِ فِي عِبَادَتِهِ لَمْ يَفْعَلْ مَا أُمِرَ بِهِ،
بَلِ الَّذِي أَتَى بِهِ شَيْءٌ غَيْرُ الْمَأْمُورِ بِهِ، فَلاَ يَصِحُّ وَلاَ
يُقْبَلُ مِنْهُ.
وَيَقُولُ اللَّهُ: «أَنَا
أَغْنَى الشُّرَكَاءِ عَنِ الشِّرْكِ، فَمَنْ عَمِلَ عَمَلاً أَشْرَكَ مَعِي فِيهِ
غَيْرِي فَهُوَ لِلَّذِي أَشْرَكَ بِهِ، وَأَنَا مِنْهُ بَرِيءٌ» ([1]).
وَهَذَا الشِّرْكُ
يَنْقَسِمُ إِلَى مَغْفُورٍ وَغَيْرِ مَغْفُورٍ، وَأَكْبَرَ وَأَصْغَرَ.
وَالنَّوْعُ الأَْوَّلُ
يَنْقَسِمُ إِلَى: كَبِيرٍ وَأَكْبَرَ، وَلَيْسَ شَيْءٌ مِنْهُ مَغْفُورًا،
فَمِنْهُ الشِّرْكُ بِاللَّهِ فِي الْمَحَبَّةِ وَالتَّعْظِيمِ: أَنْ يُحِبَّ
مَخْلُوقًا كَمَا يُحِبُّ اللَّهَ، فَهَذَا مِنَ الشِّرْكِ الَّذِي لاَ يَغْفِرُهُ
اللَّهُ، وَهُوَ الشِّرْكُ الَّذِي قَالَ سُبْحَانَهُ فِيهِ: {وَمِنَ ٱلنَّاسِ
مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ ٱللَّهِ أَندَادٗا يُحِبُّونَهُمۡ كَحُبِّ ٱللَّهِۖ وَٱلَّذِينَ
ءَامَنُوٓاْ أَشَدُّ حُبّٗا} [الْبَقَرَةِ: 165] وَقَالَ أَصْحَابُ هَذَا الشِّرْكِ
لآِلِهَتِهِمْ وَقَدْ جَمَعَهُمُ الْجَحِيمُ: {تَٱللَّهِ إِن كُنَّا لَفِي
ضَلَٰلٖ مُّبِينٍ ٩٧إِذۡ نُسَوِّيكُم بِرَبِّ ٱلۡعَٰلَمِينَ ٩٨} [الشُّعَرَاءِ:
97- 98] .
وَمَعْلُومٌ أَنَّهُمْ مَا سَوَّوْهُمْ بِهِ سُبْحَانَهُ فِي الْخَلْقِ، وَالرِّزْقِ، وَالإِْمَاتَةِ، وَالإِْحْيَاءِ، وَالْمُلْكِ، وَالْقُدْرَةِ، وَإِنَّمَا سَوَّوْهُمْ بِهِ فِي الْحُبِّ، وَالتَّأَلُّهِ، وَالْخُضُوعِ لَهُمْ وَالتَّذَلُّلِ، وَهَذَا غَايَةُ الْجَهْلِ وَالظُّلْمِ، فَكَيْفَ يُسَوَى التُّرَابُ بِرَبِّ الأَْرْبَابِ؟ وَكَيْفَ يُسَوَى الْعَبِيدُ بِمَالِكِ الرِّقَابِ؟ وَكَيْفَيُسَوَى الْفَقِيرُ بِالذَّاتِ الضَّعِيفُ بِالذَّاتِ الْعَاجِزُ بِالذَّاتِ الْمُحْتَاجُ بِالذَّاتِ،
([1])أخرجه: مسلم رقم (2985).