الَّذِي لَيْسَ لَهُ مِنْ ذَاتِهِ إِلاَّ
الْعَدَمُ، بِالْغَنِيِّ بِالذَّاتِ، الْقَادِرِ بِالذَّاتِ، الَّذِي غِنَاهُ،
وَقُدْرَتُهُ وَمُلْكُهُ وَجُودُهُ، وَإِحْسَانُهُ، وَعِلْمُهُ، وَرَحْمَتُهُ،
وَكَمَالُهُ الْمُطْلَقُ التَّامُّ مِنْ لَوَازِمِ ذَاتِهِ؟!
فَأَيُّ ظُلْمٍ أَقْبَحُ
مِنْ هَذَا؟ وَأَيُّ حُكْمٍ أَشَدُّ جَوْرًا مِنْهُ؟ حَيْثُ عَدَلَ مَنْ لاَ
عِدْلَ لَهُ بِخَلْقِهِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {ٱلۡحَمۡدُ لِلَّهِ ٱلَّذِي
خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضَ وَجَعَلَ ٱلظُّلُمَٰتِ وَٱلنُّورَۖ ثُمَّ ٱلَّذِينَ
كَفَرُواْ بِرَبِّهِمۡ يَعۡدِلُونَ} [الأَْنْعَامِ: 1] .
فَعَدَلَ الْمُشْرِكُ مَنْ
خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَْرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ، بِمَنْ لاَ
يَمْلِكُ لِنَفْسِهِ وَلاَ لِغَيْرِهِ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلاَ
فِي الأَْرْضِ، فَيَا لَكَ مِنْ عَدْلٍ تَضَمَّنَ أَكْبَرَ الظُّلْمِ
وَأَقْبَحَهُ.
****
الشرح
الشِّرْكُ الأَكْبرُ
يُسمَّى: الشِّرْكَ الظَّاهرَ، وهذا لا يقع فيه المؤْمنُ، والشِّرْكُ الأَصْغرِ
يُسمَّى: الشِّرْكَ الخَفِيَّ، وهو أَخْفَى من دَبِيْبِ النَّمْلِ في سَوَادِ
اللَّيل؛ لأَنَّه يدخل في النِّيَّاتِ والمقاصدِ، وهذا قلَّ مَن يَسْلَمُ منه،
فيقعُ فيه الكثيرُ من المؤْمنين، فمِنْهُمْ من يتنبَّه ويَطْرُدُ هذا الشِّرْكَ، ويرجعُ
إِلَى التَّوحيد، ومِنْهُمْ من يستمرُّ معه فلا يصحُّ عملُه الذي يَعْمَلُه ولا
يُثَابُ عليه.
وهذا النَّوعُ من الشِّرْكِ
خطيرٌ جداً، فبعضُ النَّاس إِذَا سمِع أَنَّه شِرْكٌ أَصْغَرُ تساهل فيه، ولكنَّه
شديدٌ، فإِذَا كنتَ تعمل ولا يُكْتَبُ لك أَجْرٌ فما فائِدةُ العمل؟ وكلُّ ذلك
بسببِ أَنَك أَدْخلتَ في نِيَّتِك شيئاً من الرِّياءِ، والسُّمْعةِ، وحبِّ المدح،
وحبِّ الشُّهْرة، وطَمَعِ الدُّنْيَا، أَوْ غيرِ ذلك، وهذا مُشْكِلٌ جداً، ولهذا
خَافَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم على أَصْحابِه الذين هُمْ خيرُ القرون،
خافه عليهم لأَنَّه خَفِيٌّ، وقلَّ مَن يتنبَّه له، وقلَّ من يسلَم منه،