×
تعْليقَاتٌ على الجَوابِ الكَافي الجزء الأول

قوله: «فَمِنْهَا: الْخَتْمُ عَلَى الْقُلُوبِ وَالأَْسْمَاعِ، وَالْغِشَاوَةُ عَلَى الأَْبْصَارِ»، وهَذه أعظمُ العقوباتِ: أن يطمسَ اللهُ على القلبِ بسببِ المَعصية، ويَسلب فائدةَ السمعِ والبَصر، فيُصبِح الإنسانُ كالحيوانِ ينظُر لكِنه لا يُبصِر، ويَسمع لكِنه لا يَعقل، إنما تكُون حَواسُّه مِثل حَواس البَهائم: { لَهُمۡ قُلُوبٞ لَّا يَفۡقَهُونَ بِهَا وَلَهُمۡ أَعۡيُنٞ لَّا يُبۡصِرُونَ بِهَا وَلَهُمۡ ءَاذَانٞ لَّا يَسۡمَعُونَ بِهَآۚ أُوْلَٰٓئِكَ كَٱلۡأَنۡعَٰمِ بَلۡ هُمۡ أَضَلُّۚ} [الأعراف: 179] .

وليسَ مَعناه أنهم لا يُبصِرون ولا يَسمعون ولا يُفكِّرون، وإنما هم لا يَسمعون سماعاً يَنفعهم، ولا يَنظرون نظرًا يَنفعهم، ولا يتفكَّرون تفكيرًا يَنفعهم؛ لأن هَذه الحَواس سُلِبت مَنافعُها العَظيمة، فأصبحتْ مِثل حَواسِّ البَهائم؛ يُبصر الطريقَ، يُبصر الفِتن والشرورَ، ويَسمع الأغانِي والمَعازِف والمَزامير، لكن لا يَسمع القُرآن، ولا تؤثِّر فيهِ المَواعظ.

وإذا فكَّر إنما يُفكِّر في شَهواته العَاجلة، ولا يفكِّر بالعَاقبة، وما يَؤول إليه؛ لأنه خُتِم على قَلبه وسَمعه وسُلِب مَنافعها، فلا يَستفيد مِنها، وجُعِلَ على نَظره غِشاوة، وهو الغِطاء الذِي حَجب عَنه نُورَ الإيمانِ.

قوله: «وَالإِْقْفَالُ عَلَى الْقُلُوبِ، وَجَعْلُ الأَْكِنَّةِ عَلَيْهَا وَالرَّيْنُ عَلَيْهَا»، كُل هذه الآفاتِ - الإقفَال، والأكِنَّة، والخَتم، والرَّان - مِن آفاتِ القُلوب، وهي دَرجات بَعضها أشدُّ مِن بَعض، «وَالطَّبْعُ» كذلكَ الطبعُ عَليها، كَما في قَوله تَعالى: { طَبَعَ ٱللَّهُ عَلَىٰ قُلُوبِهِمۡ وَسَمۡعِهِمۡ وَأَبۡصَٰرِهِمۡۖ} [النحل: 108] .

وقوله: «وَتَقْلِيبُ الأَْفْئِدَةِ وَالأَْبْصَارِ»، يَعني: يَنظر إلى الأشياءِ ولا يَستفيد مِنها، ويَأتي على قَلبه بعضُ الأشياءِ، لكِن لا يُفكِّر فيها التَّفكير النَّافع.


الشرح