وَالْمَقْصُودُ: أَنَّ
الذُّنُوبَ تُضْعِفُ الْحَيَاءَ مِنَ الْعَبْدِ، حَتَّى رُبَّمَا انْسَلَخَ مِنْهُ
بِالْكُلِّيَّةِ، حَتَّى إِنَّهُ رُبَّمَا لاَ يَتَأَثَّرُ بِعِلْمِ النَّاسِ
بِسُوءِ حَالِهِ وَلاَ بِاطِّلاَعِهِمْ عَلَيْهِ، بَلْ كَثِيرٌ مِنْهُمْ يُخْبِرُ
عَنْ حَالِهِ وَقُبْحِ مَا يَفْعَلُ، وَالْحَامِلُ لَهُ عَلَى ذَلِكَ انْسِلاَخُهُ
مِنَ الْحَيَاءِ، وَإِذَا وَصَلَ الْعَبْدُ إِلَى هَذِهِ الْحَالَةِ لَمْ يَبْقَ
فِي صَلاَحِهِ مَطْمَعٌ، كما قيل ([1]):
وَإِذَا
رَأَى إِبْلِيسُ طَلْعَةَ وَجْهِهِ |
|
حَيَّا
وَقَالَ: فَدَيْتُ مَنْ لاَ يُفْلِحُ |
وَالْحَيَاءُ مُشْتَقٌّ مِنَ
الْحَيَاةِ، وَالْغَيْثُ يُسَمَّى «حَيَا» بِالْقَصْرِ؛ لأَِنَّ بِهِ حَيَاةُ
الأَْرْضِ وَالنَّبَاتِ وَالدَّوَابِّ، وَكَذَلِكَ سُمِّيَتْ بِالْحَيَاءِ حَيَاةُ
الدُّنْيَا وَالآْخِرَةِ، فَمَنْ لاَ حَيَاءَ فِيهِ فَهُوَ مَيِّتٌ فِي الدُّنْيَا
شَقِيٌّ فِي الآْخِرَةِ.
وَبَيْنَ الذُّنُوبِ
وَبَيْنَ قِلَّةِ الْحَيَاءِ وَعَدَمِ الْغَيْرَةِ تَلاَزُمٌ مِنَ الطَّرَفَيْنِ،
وَكُلٌّ مِنْهُمَا يَسْتَدْعِي الآْخَرَ وَيَطْلُبُهُ حَثِيثًا، وَمَنِ اسْتَحَى
مِنَ اللَّهِ عِنْدَ مَعْصِيَتِهِ، اسْتَحَى اللَّهُ مِنْ عُقُوبَتِهِ يَوْمَ
يَلْقَاهُ، وَمَنْ لَمْ يَسْتَحِ مِنْ مَعْصِيَتِهِ لَمْ يَسْتَحِ اللَّهُ مِنْ
عُقُوبَتِهِ.
***
([1])البيت للبحتري، ينظر: ديوانه (1/482).
الصفحة 2 / 436