ولم يَأمُرنا بالاتِّكال على
القَضاء والقَدَر، بل قالَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم : «اعْمَلُوا فَكُلٌّ مُيَسَّرٌ لِمَا خُلِقَ لَهُ» ([1]).
وهذه المُغالطة مِما يَجري
على أَلسنة الصوفِية، فيَقولون: لا فائدةَ من الدعَاء؛ لأنه إن كانَ الأمرُ
مُقدَّرًا حصلَ، وإن لم يَكُن مُقدرًا لم يَحصُل.
فنقول: هذا غلطٌ، والله جل
وعلا أمرَنا بالدعَاء، وأمرَنا باتخاذِ الأسبابِ، وأما القَضاء والقَدر فهذا عِند
الله سبحانه وتعالى ، ونَحن نَفعل ما عِندنا.
وهؤلاء الذِين يُرَوِّجُون
لهذه الشبهَة مُتناقضون؛ لأنهم لو اعتدَى عليهم أحدٌ واحتجَّ بالقَضاء والقَدَر ما
قَبلوا حُجَّته، ورَاحوا يُطالبونه بالقَصَاص، ويُطالبون بأخذِ الحَقِّ ممن
ظَلمهم، ولا يَقولون: هذا قَضاء وقَدر.
وأيضًا هم يَأكلون إذا
جَاعوا، ويَشربون إذا عَطشوا، ولا يَقولون: إن كانَ اللهُ قدَّر لنا الحَياة سوف
نحيَا ولو ما أكلنَا أو شَربنا، فهم يَأخذون بالأسبابِ في أمورِ حيَاتهم الدنيَا،
فلماذا يَأخذون بها في بَعض أمورِهم ويَتركونها في البَعض الآخَر؟!
فيُقال لهؤلاء: يَلزمكم أن تُعطِّلوا الأسبابَ كُلها على مَذهبكم، فلا تَأكلوا، ولا تَشربوا، ولا تتزوَّجوا، ولا تَذهبوا للطبيبِ إذا مَرضتم؛ لأن ما قدَّره اللهُ وقضَاه سوف يَحصل، ولو لم تَفعلوا ذلك.
([1])أخرجه: البخاري رقم (4949)، ومسلم رقم (2647).