فَصْلٌ
وَمِنْ عُقُوبَاتِهَا: أَنَّهَا
تَسْتَدْعِي نِسْيَانَ اللَّهِ لِعَبْدِهِ، وَتَرْكَهُ وَتَخْلِيَتَهُ بَيْنَهُ
وَبَيْنَ نَفْسِهِ وَشَيْطَانِهِ، وَهُنَالِكَ الْهَلاَكُ الَّذِي لاَ يُرْجَى
مَعَهُ نَجَاةٌ.
قَالَ اللَّهُ: {يَٰٓأَيُّهَا
ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَلۡتَنظُرۡ نَفۡسٞ مَّا قَدَّمَتۡ لِغَدٖۖ
وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَۚ إِنَّ ٱللَّهَ خَبِيرُۢ بِمَا تَعۡمَلُونَ ١٨وَلَا
تَكُونُواْ كَٱلَّذِينَ نَسُواْ ٱللَّهَ فَأَنسَىٰهُمۡ أَنفُسَهُمۡۚ أُوْلَٰٓئِكَ هُمُ
ٱلۡفَٰسِقُونَ ١٩}
[الْحَشْرِ: 18- 19] .
فَأَمَرَ بِتَقْوَاهُ،
وَنَهَى أَنْ يَتَشَبَّهَ عِبَادُهُ الْمُؤْمِنُونَ بِمَنْ نَسِيَهُ بِتَرْكِ
تَقْوَاهُ، وَأَخْبَرَ أَنَّهُ عَاقَبَ مَنْ تَرَكَ التَّقْوَى بِأَنْ أَنْسَاهُ
نَفْسَهُ، أَيْ: أَنْسَاهُ مَصَالِحَهَا، وَمَا يُنْجِيهَا مِنْ عَذَابِهِ، وَمَا
يُوجِبُ لَهُ الْحَيَاةَ الأَْبَدِيَّةَ وَكَمَالَ لَذَّتِهَا وَسُرُورِهَا
وَنَعِيمِهَا، فَأَنْسَاهُ اللَّهُ ذَلِكَ كُلَّهُ جَزَاءً لِمَا نَسِيَهُ مِنْ
عَظَمَتِهِ وَخَوْفِهِ، وَالْقِيَامِ بِأَمْرِهِ.
فَتَرَى الْعَاصِيَ
مُهْمِلاً لِمَصَالِحِ نَفْسِهِ مُضَيِّعًا لَهَا، قَدْ أَغْفَلَ اللَّهُ قَلْبَهُ
عَنْ ذِكْرِهِ، وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا، قَدِ انْفَرَطَتْ
عَلَيْهِ مَصَالِحُ دُنْيَاهُ وَآخِرَتِهِ، وَقَدْ فَرَّطَ فِي سَعَادَتِهِ
الأَْبَدِيَّةِ، وَاسْتَبْدَلَ بِهَا أَدْنَى مَا يَكُونُ مِنْ لَذَّةٍ، إِنَّمَا
هِيَ سَحَابَةُ صَيْفٍ، أَوْ خَيَالُ طَيْفٍ!
كَمَا قِيلَ:
أَحْلاَمُ نَوْمٍ أَوْ كَظِلٍّ
زَائِلٍ |
|
إِنَّ اللَّبِيبَ بِمِثْلِهَا لاَ
يُخْدَعُ |
وَأَعْظَمُ الْعُقُوبَاتِ
نِسْيَانُ الْعَبْدِ لِنَفْسِهِ، وَإِهْمَالُهُ لَهَا، وَإِضَاعَتُهُ حَظَّهَا
وَنَصِيبَهَا مِنَ اللَّهِ، وَبَيْعُهَا ذَلِكَ بِالْغَبْنِ وَالْهَوَانِ
وَأَبْخَسِ الثَّمَنِ، فَضَيَّعَ مَنْ لاَ غِنَى لَهُ عَنْهُ، وَلاَ عِوَضَ لَهُ
مِنْهُ، وَاسْتَبْدَلَ بِهِ مَنْ عَنْهُ كُلُّ الْغِنَى أَوْ مِنْهُ كُلُّ
الْعِوَضِ:
مِنْ
كُلِّ شَيْءٍ إِذَا ضَيَّعْتَهُ عِوَضٌ |
|
وَمَا
مِنَ اللَّهِ إِنْ ضَيَّعْتَ مِنْ عِوَضِ |
الصفحة 1 / 436