فالمُذنب يكُون ذليلاً بسببِ مَعصيته، وهذا شَيء
واضحٌ أن أهلَ المَعاصي يكونونَ أذلاَّء بينَ الناسِ؛ يذلُّهم اللهُ بمَعاصيهم،
فيكُون عِندهم انكسارٌ أمامَ الناسِ؛ لأنهم يَعرفون أفعالَهم.
أما أهلُ الطاعاتِ فإن اللهَ
جل وعلا يرفعُهم بها، ويُكرمهم بها، ويكُون لهم بسَببها قَدرٌ عندَ اللهِ، ومَكانة
عِند الناسِ، وهذا شَيء واضحٌ أن هُناك فَرقًا بينَ أهلِ الطاعةِ وأهلِ المَعصية،
فتَجد عِند أهلِ الطاعةِ رِفْعَة، وعِزَّة، وكَرامة، وطِيب نفسٍ، وتَجد أهلَ
المَعاصي على العَكس مِن ذَلك.
واللهُ جل وعلا يقول: {أَمۡ
حَسِبَ ٱلَّذِينَ ٱجۡتَرَحُواْ ٱلسَّئَِّاتِ أَن نَّجۡعَلَهُمۡ كَٱلَّذِينَ
ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِ سَوَآءٗ مَّحۡيَاهُمۡ وَمَمَاتُهُمۡۚ} [الجاثية: 21] ، لا
يكونونَ مِثلهم في كُل الوُجوه، لا في الجَزاء، ولا في القَدْرِ، ولا في المَكانة،
ولا في الدنيَا، ولا في الآخِرة.
فالطاعةُ تُنمِّي النفسَ
وتُزكِّيها، والمَعصية تصغِّر النفسَ وتقلِّلها وتحقِّرها، قالَ تَعالى: {قَدۡ أَفۡلَحَ
مَن زَكَّىٰهَا} زكَّاها بأي شيءٍ؟
زكَّاها بالطاعاتِ، فكما أن المَال يزكَّى بالصدقةِ فإن النفسَ تُزكَّى بالطاعةِ،
ففي هَذه الآيةِ أمرٌ بتزكيةِ النفسِ، أما قَوله تَعالى في الآيةِ الأُخْرَى: { فَلَا
تُزَكُّوٓاْ أَنفُسَكُمۡۖ} [النجم: 32] ، ففيه نهيٌ أن يمدحَ المُسلِم نَفسه، وأن
يُعجَب بنفسِه، فهذا مَنهِيٌّ عنه، وأما تَزكيتُها بالطاعةِ فهذا مَأمورٌ به.
***
الصفحة 2 / 436