وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ
عُمْرَ الْعَبْدِ هُوَ مُدَّةُ حَيَاتِهِ، وَلاَ حَيَاةَ لِمَنْ أَعْرَضَ عَنِ
اللَّهِ وَاشْتَغَلَ بِغَيْرِهِ، بَلْ حَيَاةُ الْبَهَائِمِ خَيْرٌ مِنْ
حَيَاتِهِ، فَإِنَّ حَيَاةَ الإِْنْسَانِ بِحَيَاةِ قَلْبِهِ وَرُوحِهِ، وَلاَ حَيَاةَ
لِقَلْبِهِ إِلاَّ بِمَعْرِفَةِ فَاطِرِهِ، وَمَحَبَّتِهِ، وَعِبَادَتِهِ
وَحْدَهُ، وَالإِْنَابَةِ إِلَيْهِ، وَالطُّمَأْنِينَةِ بِذِكْرِهِ، وَالأُْنْسِ
بِقُرْبِهِ، وَمَنْ فَقَدَ هَذِهِ الْحَيَاةَ فَقَدَ الْخَيْرَ كُلَّهُ، وَلَوْ
تَعَرَّضَ عَنْهَا بِمَا تَعَوَّضَ مِمَّا فِي الدُّنْيَا، بَلْ لَيْسَتِ
الدُّنْيَا بِأَجْمَعِهَا عِوَضًا عَنْ هَذِهِ الْحَيَاةِ، فَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ
يَفُوتُ الْعَبْدَ عِوَضٌ، وَإِذَا فَاتَهُ اللَّهُ لَمْ يُعَوِّضْ عَنْهُ شَيْءٌ
الْبَتَّةَ.
****
الشرح
قد يكونُ الإنسَان عُمره
طويلٌ، وعِنده مالٌ كَثير؛ ولكِنه لا بركةَ في هذا العُمر، ولا بركةَ في هذا
المَال، فمَاذا يَنفع؟! لا يَستفيد مِنه بشيءٍ، فالطاعةُ تباركُ العمرَ، والمَعصية
تنقصُ بركةَ العُمر، فلا يَستفيد منه صَاحبه: {أَفَرَءَيۡتَ إِن مَّتَّعۡنَٰهُمۡ
سِنِينَ ٢٠٥ثُمَّ جَآءَهُم مَّا كَانُواْ يُوعَدُونَ ٢٠٦مَآ أَغۡنَىٰ عَنۡهُم مَّا
كَانُواْ يُمَتَّعُونَ ٢٠٧} [الشعراء: 205- 207] .
فليسَ المَدارُ على طُول العُمر أو كَثرة المَال، إنما المَدار على البركةِ وكَون العُمر والمَال مُباركاً، فإن كانَ المَال مُباركاً ففيه الخيرُ ولو كَان قليلاً، كذلكَ العُمر إذا كَان مُباركاً ففيه الخَير ولو كَان قصيرًا، فالمَدار على حُصول البَرَكة، والبَرَكة إنما تَحصُل بطاعةِ اللهِ، إذا أردتَ أن يُبارك في عُمرك ومالِك فعَليك بتَقوى اللهِ عز وجل .