فإذا كانَ الإنسانُ يَتَّجر في الدُّنيا
ويَتَّجر للآخرةِ وجمعَ بينَ التِّجارتين، فهَذا شيءٌ طَيِّبٌ، أمَّا إذا أخذَ
تِجارة الدنيَا فَقَط ونَسِي تِجارة الآخرةِ، فهذا في خَسارةٍ ولو اجتمعتْ له
الدُّنيا كُلها ولم يبقَ مِنها شيءٌ لغيرِه، وتكوَّنت عِنده الأموالُ الضَّخمة
والأَرصِدة الكَبيرة، فما دامَ أنه مُضَيِّع لتِجارة الآخرةِ فهو خَاسرٌ، وأمَّا
إذا يسَّرَ اللهُ له وتاجرَ في الدُّنيا في حُدود المُباح وتاجرَ للآخرةِ، فهذا هو
الرَّابح بإذنِ اللهِ.
وقوله: «فَكَيْفَ أَبِيعُ حَاضِرًا نَقْدًا
مُشَاهَدًا فِي هَذِهِ الدَّارِ بِغَائِبٍ نَسِيئَةً فِي دَارٍ أُخْرَى غَيْرِ
هَذِهِ؟!»، إذا قَامت القِيامة كَأن الدُّنيا لحظةٌ أو ساعةٌ من أوَّلها إلى
آخرِها، والنَّاس الآنَ يَستبعدُونها، ويقولُ أحدُهم: مَتى هَذا؟ إنه بعيدٌ، وهَل
أتركُ شيئًا حاضرًا بشيءٍ بعيدٍ؟! فيَأخذ العَاجل ويَترك الآخرةَ.
وأما المُوَفَّق فإنه ينظُر
إلى الآجِلِ ويَعلم أنه خيرٌ من العاجِل، فيَشتغل له، وهذا هو الذِي يَربح عِند
قِيام الساعةِ.
وأما مَعرفة وقتِ قِيام
السَّاعة فهذا ليسَ للإنسانِ فيه مَصْلَحةٌ، ولو كانَ له مَصلحة لبَيَّنَهُ اللهُ
عز وجل ، إنما المَصلَحة في العَمل.
وقوله: «هِيَ دَارُ الْحَيَوَانِ»، يعني:
الحَياة، قالَ تَعالى: {وَإِنَّ ٱلدَّارَ ٱلۡأٓخِرَةَ
لَهِيَ ٱلۡحَيَوَانُۚ} [العنكبوت: 64] ، أي: الحَياة الكَامِلة.
***
الصفحة 6 / 436