فالحمد لله أن الله يُقيِّض لهذا الدين مَن ينصره، ويدعو
إليه، ويُبيِّنه للناس، وإن استحكمت الظلمات، ودبَّت المذاهب المنحرفة إلى
المسلمين، فإن الله جل وعلا يحفظ دينه، ويُقيِّض له مَن يُجدِّده، ويدعو إليه،
ويُبيِّنه للناس، هذا من فضل الله وإحسانه ولله الحمد، ولكن الانحرافات غلبت على
العالم الإسلامي -إلا مَن رحم الله عز وجل -، ومن ذلك الانحراف في العقيدة، حيث
تركوا عقيدة السلف، وأخذوا عقيدة الخلف المبنية على علم المنطق وعلم الكلام، بنَوا
عليهما عقائدهم ومُؤلَّفاتهم التي يَدْرُسونها، ويُدرِّسونها في مساجدهم،
ومدارسهم، وجامعاتهم.
وهذه المقدمة لابن أبي زيد من النمط الأول الذي هو على
مذهب السلف؛ لأن المؤلِّف مُتقدِّم؛ فهو من القرن الرابع، وكان على عقيدة السلف
التي درسها على مشايخه، وتبحَّر في مذهب الإمام مالك حتى صار مرجعًا فيه، وصار
يُسمَّى مالكًا الصغير؛ لأنه يُشبه الإمام مالكًا في إتقانه للمذهب والعقيدة، وهو
محل ثقة الناس، ومن مُؤلَّفاته هذه الرسالة، ومقدمتها.
فهي مقدمة ثمينة جدًّا، وسبب تأليفها مع الرسالة: أن مدرس القرآن الذي درَّسه القرآن طلب منه أن يؤلف رسالة في فقه الإمام مالك تكون بأيدي الطلاب؛ ليُدرِّسهم إياها، ويُحفِّظهم إياها، فكتب هذه الرسالة مع مقدمتها؛ استجابة لمُعلِّمه، فهذه الرسالة ومقدمتها صارت بأيدي الناس، وفرحوا بها وانتشرت، وصارت تُدرَّس للطلبة من حَفَظَة القرآن وغيرهم، وهذا ببركة التحقيق وصلاح النية، وليست العبرة بضخامة المُؤلَّف أو كثرة المجلدات، وإنما العبرة بما في المُؤلَّف من العلم الصحيح،