×
شرح مقدمة رسالة ابن أبي زيد القيرواني

الله، ويُكلِّم جبريل عليه السلام بالوحي، ويسمع كلامه، ويُبلِّغه للرسل، فهو يتكلم إذا شاء بكلام يُسمَع، أما الجهمية فيقولون: «الله لا يتكلم؛ لأن المخلوق يتكلم، وإذا وصفنا الله بالكلام، فمعناه أننا شبهنا الخالق بالمخلوق»، فهم لا يفرقون بين صفات الخالق وصفات المخلوق، فالله يتكلم إذا شاء بكلام يليق به، وليس مثل كلام المخلوق، فكلامه صفة له من صفات أفعاله، التي يفعلها إذا شاء، ومتى شاء، وبما شاء، لا بداية لكلامه ولا نهاية كسائر صفاته، والجهمية يقولون: «كلام الله مخلوق، ومعنى «كلَّم الله موسى» عندهم: خلق الكلام في موسى، وليس المعنى أن الله كلمه حقيقة، وسمع موسى كلام الرب، وكذا هم يقولون عن القرآن: «إنه مخلوق، وليس كلام الله حقيقة، وإنما خلقه الله في اللَّوح المحفوظ، وأخذه جبريل عليه السلام من اللَّوح المحفوظ، وأتى به إلى محمد صلى الله عليه وسلم »، تعالى الله عما يقولون!

وعدم الكلام نقص في حق الله؛ فالذي لا يتكلم معناه أنه ناقص؛ ولهذا قال لما اتخذ بنو إسرائيل العجل: ﴿أَلَمۡ يَرَوۡاْ أَنَّهُۥ لَا يُكَلِّمُهُمۡ وَلَا يَهۡدِيهِمۡ سَبِيلًاۘ [الأعراف: 148]، وفي الآية الأخرى قال: ﴿أَفَلَا يَرَوۡنَ أَلَّا يَرۡجِعُ إِلَيۡهِمۡ قَوۡلٗا وَلَا يَمۡلِكُ لَهُمۡ ضَرّٗا وَلَا نَفۡعٗا [طه: 89]، فالله عاب هذا الذي صنعه السامري، واتخذه بنو إسرائيل إلهًا لهم، وقالوا: ﴿هَٰذَآ إِلَٰهُكُمۡ وَإِلَٰهُ مُوسَىٰ فَنَسِيَ [طه: 88]، موسى عليه السلام نسي، وذهب يبحث عن ربه، وهو معكم، قال الله ردًّا عليهم: ﴿أَفَلَا يَرَوۡنَ أَلَّا يَرۡجِعُ إِلَيۡهِمۡ قَوۡلٗا وَلَا يَمۡلِكُ لَهُمۡ ضَرّٗا وَلَا نَفۡعٗا [طه: 89]، فالذي لا يتكلم لا يصلح أن يكون


الشرح