×
شرح مقدمة رسالة ابن أبي زيد القيرواني

وَهِيَ الَّتِي أَهْبَطَ مِنْهَا آدَمَ نَبِيَّهُ  وَخَلِيفَتَهُ إلَى أَرْضِهِ؛ بِمَا سَبَقَ فِي سَابِقِ عِلْمِهِ.

****

 يعني: أن حجابه النور، فلم يره، ولا يراه أحد في هذه الدنيا، أما في الآخرة، فإن الله يكرم أهل الإيمان، ويعطيهم قوة على رؤيته، أما في الدنيا فلو تجلى لأحد منهم لهلك؛ ولهذا فإن موسى عليه السلام لما جاء إلى ميقات ربه وكلمه ربه، وقال: ﴿رَبِّ أَرِنِيٓ أَنظُرۡ إِلَيۡكَۚ؛ لأنه اشتاق إلى ربه. ﴿قَالَ لَن تَرَىٰنِي، يعني: في الدنيا. ﴿وَلَٰكِنِ ٱنظُرۡ إِلَى ٱلۡجَبَلِ فَإِنِ ٱسۡتَقَرَّ مَكَانَهُۥ فَسَوۡفَ تَرَىٰنِيۚ فَلَمَّا تَجَلَّىٰ رَبُّهُۥ لِلۡجَبَلِ جَعَلَهُۥ دَكّٗا، فَانْدَكَّ الجبل الصلب القوي، وصار ترابًا من عظمة الله. ﴿وَخَرَّ مُوسَىٰ صَعِقٗاۚ [الأعراف: 143]، يعنى: غُشي عليه عليه السلام مِن شدة الهَول، مع أنه لم يرَ ربه؛ فالله أراد أن يُبيِّن له أنه لا يراه في هذه الدنيا، ولا يستطيع رؤيته.

وأما الكفار، فلما كفروا به في الدنيا، وكذبوا بآياته؛ حجبهم الله عن رؤيته يوم القيامة، قال الله جل وعلا: ﴿كَلَّآ إِنَّهُمۡ عَن رَّبِّهِمۡ يَوۡمَئِذٖ، يعني: يوم القيامة ﴿لَّمَحۡجُوبُونَ [المطففين: 15]؛ إهانة لهم، فلا يرون ربهم؛ لأنهم جحدوا به في الدنيا، وكفروا به؛ فالله جل وعلا حرمهم من رؤيته يوم القيامة.

 هل هذه الجنة التي أسكنها الله آدم، أو هي جنة أخرى؟ على قولين: والصحيح: أنها الجنة التي أخبر الله عنها، قال المؤلِّف: «وَهِيَ الَّتِي أَهْبَطَ مِنْهَا آدَمَ نَبِيَّهُ»؛ لأن آدم نبيٌّ مُكلَّم ([1]).

هذه فيها نظر؛ لأن الله ليس له خليفة، بل الله هو الخليفة، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في دعاء السفر: «اللَّهُمَّ أَنْتَ الصَّاحِبُ فِي السَّفَرِ،


الشرح

([1])  كما جاء في الحديث الذي أخرجه: أحمد رقم (22288)، والطبراني في الكبير رقم (7871).