وَالتمر وَالملح، وَاتفَق الناس على تحريم
التفَاضل فيها مع اتحَادِ الجِنس. فَقدْ حَكَى غير وَاحِدٍ الإِجماع على تحْرِيمه
بيْن الستةِ المذْكُورَةِ إِذَا بيعَ بعضها ببعض - فَإِن قيل: كَيْفَ تصِحُّ
حِكَايَةُ الإِجماع مع أَنه ثَبت في الصحيح عن ابن عَباس عن أُسامةَ بن زَيْدٍ أَن
رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لاَ رِبَا إلاَّ فِي النَّسِيئَةِ» ([1])، فَمقتضاه جَوَازُ
رِبا الفَضل. وقد رُوِيَ عن ابن عُمرَ وَابن عَباس رضي الله عنهما القول
بجَوَازِه. قيل عن ذلك عِدَّةُ أَجْوِبةٍ:
الجواب الأَوَّل: إِن حديث أُسامةَ
منسوخٌ بالأَحاديث التي تدُل على تحريم رِبا الفَضل، وَمما يدل على نسخِه بها
الإِجماع على ترْكِ العَمل به ([2]). قال
الشَّوْكَانيُّ: لكِن النسخَ لا يَثْبت بالاحْتمال.
الجواب الثَّاني: أَنه محْمول على
ما إِذَا اخْتلفَ الجِنسان. فَإِنه في هذه الحَالةِ يجُوز التفَاضل وَيَحْرُم
النسأُ؛ بدَليل الرِّوَايَات الصحيحةِ المصَرِّحَةِ بأَن ذلك هو محَل جَوَازِ
التفَاضل، وَأَنه في الجِنس الوَاحِدِ ممنوع. فَيكون حديث أُسامةَ عَامًّا في
الجَوَازِ؛ فِيما إِذَا اتحَدَ الجِنس وَاخْتلفَ. وَالأَحاديث الأُخْرَى خَاصَّةٌ
بالمنعِ مع اتحَادِ الجِنس. وَالخَاصُّ مقدَّم على العَام كَما هو مقتضى
القوَاعِدِ.
الجواب الثَّالثُ: أَنه حديث مجْمل،
وَالأَحاديث التي تمنعُ رِبا الفَضل مبيِّنةٌ. فَيجب العَمل بالمبيَّن وَتنزِيل
المجْمل عَليْه.
الجواب الرَّابعُ: أَنه روَاية صَحَابيٍّ وَاحِدٍ. وَرِوَايَات منعِ رِبا الفَضل عن جماعةٍ من أَصْحَاب رسول الله صلى الله عليه وسلم. رَوَوْها صَرِيحَةً ناطِقةً بمنعِ رِبا الفَضل، وَروَاية الجماعةِ من العُدُول أَقوَى وَأَثْبت وَأَبعَدُ عن الخَطَأِ من روَاية الوَاحِدِ.
([1])أخرجه: مسلم رقم (1596).