وَهوَ كَلام إِذَا
عَرَضناه على المصَادِرِ التي نقلنا منها الكَلام الذي قبله وَجَدْناه يَخْتلفُ
بعض الاخْتلافِ فَلعَله اخْتيَارٌ له.
وَقدْ رَجَّحَ
العَلامةُ ابن القيِّم قوْل مالكٍ - حيث قال: «وَطَائِفَةٌ خَصَّته - أَيْ
جَرَيَان الرِّبا - في القوت وما يُصْلحُه وهو قوْل مالكٍ، وهو أَرْجَحُ هذه
الأَقوَال كَما سترَاه، ثُم قال بعد ذلك»، وَأَما الأَصْنافُ الأَرْبعَةُ
المطْعُومةُ فَحَاجَةُ الناس إِليْها أَعْظَم من حَاجَتهم إِلى غيرها؛ لأَنها
أَقوَات العَالم وما يُصْلحُها. فَمن رِعَايَةِ مصَالحِ العِبادِ أَن منعُوا من
بيْعِ بعضها ببعض إِلى أَجَل سوَاءٌ اتحَدَ الجِنس أَم اخْتلفَ، وَمنعُوا من بيْعِ
بعضها ببعض حَالاً متفَاضلاً وَإِن اخْتلفَت صِفَاتها.
وَجَوَّزَ لهم
التفَاضل فيها مع اخْتلافِ أَجْناسها، وَسرُّ ذلك - وَالله أَعْلم - أَنه لوْ
جَوَّزَ لهم بيْعَ بعضها ببعض نساءً، لم يَفْعَل ذلك أَحَدٌ إلاَّ إِذَا رَبحَ،
وَحِينئِذٍ تسمحُ نفْسه ببيْعِها حَالةً لطَمعِه في الرِّبحِ؛ فَيَعِزُّ الطعام
على المحْتاجِ وَيَشْتدُّ ضرَرُه، وَعَامةُ أَهل الأَرض ليس عِندَهم دَرَاهم وَلا
دَنانيرُ، من رَحْمةِ الشَّارِعِ بهم وَحِكْمته أَن منعَهم من رِبا النساءِ فِيها،
كَما منعَهم من رِبا النساءِ في الأَثْمان.
إِذْ لوْ جَوَّزَ
لهم النساءَ فيها لدَخَلها: «إِما أَن تَقضيَ وَإِما أَن تُرْبيَ». فَيَصِيرُ
الصَّاعُ الوَاحِدُ قفْزَانا كَثِيرَةً، فَفُطِموا على النِّساءِ، ثُم فُطِموا عن
بيْعِها متفَاضلا يَدًا بيَدٍ، ثُم تجُرُّهم حَلاوَةُ الرِّبحِ وَظَفَرِ الكَسب
إِلى التجَارَةِ فيها نساءً وهو عَيْن المفْسدَةِ.
القوْل الثَّاني: أَن العِلةَ في هذه الأَرْبعَةِ هي الطُّعْميَّةُ - أَيْ كَوْنها مطْعُومةً وَهذا هو قوْل الشافعيِّ في الجَدِيدِ، وَروَاية عن الإِمام أَحمد، وهو الأَظْهرُ في مذهب الشافعيَّةِ - وَاستدَلوا بقوله صلى الله عليه وسلم «الطَّعَامُ بِالطَّعَامِ