فَالجَفَافُ يَنال منه أَكْثَرَ وَتتفَاوَت
مقادِيرُهما في الكَيْل عند المماثَلةِ، إِلى أَن قال: وقد ذَهب أَكْثَرُ الفقهاء
إِلى أَن بيْعَ الرُّطَب بالتمرِ غير جَائِزٍ وهو قوْل مالكٍ وَالشافعيِّ وأَحمد
بن حَنبل، وَبه قال أَبو يُوسفَ وَمحَمدُ بن الحَسن - وَعَن أَبي حَنيفَةَ جَوَازُ
بيْعِ الرُّطَب بالتمرِ نقدًا. أ هـ.
وَقال ابن رُشْدٍ في
بدَايَةِ المجتهد: وَأَما اخْتلافُهم في بيْعِ الرِّبوِيِّ الرُّطَب بجِنسه من
اليَابس مع وُجُودِ التماثُل في القدْرِ وَالتناجُزُ، فَإِن السبب في ذلك ما رَوَى
مالكٌ عن سعْدِ بن أَبي وَقاصٍ أَنه قال: سمعْت رسول الله صلى الله عليه وسلم
يَسأَل عن شِرَاءِ التمرِ بالرُّطَب فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «أَيَنْقُصُ
الرُّطَبُ إِذَا جَفَّ؟» فَقَالُوا: نَعَمْ، فَنَهَى عَنْ ذَلِكَ ([1])، فَأَخَذَ به
أَكْثَرُ العُلماءِ، وَقال: لا يجُوز بيْعُ التمرِ بالرُّطَب على حَال. مالكٌ
وَالشافعيُّ وَغَيْرُهما - وَقال أَبو حَنيفَةَ: يجُوز ذلك وَخَالفَه في ذلك
صاحباه. وَسبب الخِلافِ معَارضةُ ظَاهرِ حديث عُبادَةَ وَغَيْرِه له، وَاخْتلافُهم
في تصحيحه؛ وَذلك أَن حديث عُبادَةَ اشْترَطَ في الجَوَازِ فَقطْ المماثَلةَ
وَالمساوَاةَ. وَهذا يَقتضي بظَاهرِه حَال العَقدِ، لا حَال المآل، فَمن غَلب
ظَوَاهرَ أَحاديث الرِّبوِيَّات رَدَّ هذا الحديث. وَمن جَعَل هذا الحديث أَصْلاً
بنفْسه، قال: هو أَمرٌ زَائِدٌ وَمفَسرٌ لأَحاديث الرِّبوِيَّات. أ هـ.
قال صاحب بدائع الصَّنائع من الحَنفِيَّةِ: وَلأَبي حَنيفَةَ رحمه الله الكِتاب الكَرِيم وَالسنةُ المشْهورَةُ، أَما الكِتاب فَعُمومات البيْعِ؛ من نحْوِ قوله تعالى ﴿وَأَحَلَّ ٱللَّهُ ٱلۡبَيۡعَ﴾ [البقرة: 275] وَقوله عَزَّ شَأْنه: ﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ
([1])أخرجه: أبو داود رقم (3359)، والترمذي رقم (1225)، وابن ماجه رقم (2264)، وأحمد رقم (1515).