وَ{مِنَ} هُنَا لِبَيَانِ
الْجِنْسِ لاَ لِلتَّبْعِيضِ، فَإِنَّ الْقُرْآنَ كُلَّهُ شِفَاءٌ، كَمَا قَالَ
فِي الآْيَةِ الأخرى. فَهُوَ شِفَاءٌ لِلْقُلُوبِ مِنْ دَاءِ الْجَهْلِ وَالشَّكِّ
وَالرَّيْبِ، فَلَمْ يُنْزِلِ اللَّهُ سُبْحَانَهُ مِنَ السَّمَاءِ شِفَاءً قَطُّ أَعَمَّ
وَلاَ أَنْفَعَ وَلاَ أَعْظَمَ وَلاَ أَنجَعَ فِي إِزَالَةِ الدَّاءِ مِنَ
الْقُرْآنِ.
****
الشرح
قوله: «عَلِمَهُ مَنْ عَلِمَهُ وَجَهِلَهُ مَنْ
جَهِلَهُ» هذا فيه زيادةٌ، فليس كُل الناسِ يَعرفون الدواءَ، بل الناسُ
يَتفاوتون، فمِنهم من أُعطِي الحِكمة ووَضْع الأشياءِ في مَوَاضِعها، ومنهم من لا
يَعلم ولا يَدري، فيُرجع إلى أهلِ الخِبرة وأهلِ المَعرفة والبَصيرة في هَذه
الأُمُور، فَفِي أمراضِ الأبدانِ يُرجع فيها للأطباءِ الحَاذِقين، وفي أمراضِ
القُلوب يُرجع فيها إلى أهلِ العِلْم وأهلِ البَصيرة.
وقوله: «الهِرَم» أي: أن الهِرَم - الذِي هو
الكِبَر - لا ينفعُ معه دواءٌ، فلا يَدخُل في قوله: «إ ِنَّ اللَّهَ لَمْ يَضَعْ دَاءً إِلاَّ وَضَعَ لَهُ شِفَاءً»، فلا
تَبحث عن دواءٍ للكِبْر أبدًا، وإنما تُبْ إلى اللهِ واستغفرْ، واسألِ اللهَ حُسن
الخَاتِمة، وإلا فإن الكِبْر ليسَ بزائلٍ لو عَالَجْتَه.
وقوله: «وقد جعلَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم
الجَهْل داءً» أي: أن الجهلَ من الأمراضِ المَعنوِيّة، فهو مرضٌ ودواؤُه «سُؤال العُلَماء»، قالَ الله عز وجل : {فَسَۡٔلُوٓاْ
أَهۡلَ ٱلذِّكۡرِ إِن كُنتُمۡ لَا تَعۡلَمُونَ} [النحل: 43] .
وقالَ صلى الله عليه وسلم - للذينَ أَفتوا بجهلٍ وتَركوا السؤالَ - : «قَتَلُوهُ قَتَلَهُمُ اللهُ أَلاَ سَأَلُوا إِذَا لَمْ يَعْلَمُوا، فَإِنَّمَا شِفَاءُ العِيِّ السُّؤَالُ». فيَنبغي للإنسانِ أن يسألَ أهلَ العِلْم، ولا يَترك السُّؤال ويَسْتَحْيِي، أو يَقول: مَا أنَا بحاجةٍ للسُّؤال، ويَروح هو يتخبَّط وهو ما يَعرف، فكَثير من الناسِ يَتخبَّط وهو ما يَعرف، ويَظن أنه عالمٌ وهو ليسَ كذلكَ، فيضُرّ نفسَه ويضُرّ غَيره.