أن القُرآن فيه عِلاج
ورُقْية، وأنه شِفاء مِن الأمراضِ الحِسِّية، فاللَّدْغَة هذه مرضٌ حِسِّيٌّ،
واللَّدغة تكُون مِن الثُّعْبَان، أما مِن العَقْرَب فيُقال: لَسعة ذَوَات
السُّمُوم، والسُّمُّ هَذا مَرض يُؤثِّر في الجِسْم فلابُدَّ له من عِلاجٍ، وأَنفع
عِلاجٍ له هو الرُّقْية مِن القُرآن.
الفائدة الثانية: أنه يجوزُ
للرَّاقِي بالقُرآن أن يأخذَ أُجرةً على رُقْيَتِه، لأن الصحابةَ رضي الله عنهم
أَخذوا جُعْلاً على الرُّقْيَة، والجُعْل مَعناه: الأُجْرَة، فدلَّ على أن الراقيَ
له أن يأخذَ أُجرةً على الرُّقْيَة، لكن لا يَجعلها حِرْفة، بأن يَجلس ويَفتح
مَحلًّا ويَستقبل الناسَ ويَرقيهم ويأخذَ أُجرةً، مِثل الطبيبِ الذِي يَفتح
عيادةً، فهذا لم يَفعله الصحابةُ ولم يَفعله المُسلمون فيما مَضى، لم يتَّخذوا الرُّقْيَة
حِرْفَة وبابًا للكَسْب.
لكن لو أنه إذا رَقَى
أحيانًا أو بَعْض المَرَّات فأخذَ جُعْلاً فلا بأسَ بذلك، لا أن يجعلَ هذا حِرْفَة
له؛ لأن هَذا يُفسد الرُّقْيَة ويَجعل كُل واحدٍ يَرقي لأجلِ الأَجْرِ، وقد لا
يُحْسِن الرُّقْيَة، بل إن بعضَهم قد يَستعمل الشِّرْك والخُرَافَات
والشَّعْوَذَات، وحصلَ مِن هذا الشيءُ الكثيرُ؛ لأن همَّهم الحُصول على المَال
وجَذب الناسِ، وليس همُّهم العقيدةَ الصحيحةَ.
فلا يُفتح البابُ لكُل أحدٍ
وتُجعل الرقيةُ حرفةً، ولا يُقرُّ كلُّ واحدٍ للرُّقْيَة، بل لابُدَّ أن تُعرَف
عَقيدته ويُعرَف عِلمُه، لا أن تكونَ الرُّقْيَة لكُلِّ من هَبَّ ودَبَّ، فيَحصل
في هَذا فسادٌ وشرٌّ، فلابُدَّ من ضَبْط الناسِ في هَذا الأمرِ.
الفائدة الثالثة: أن الصحابةَ رضي الله عنهم فَعلُوا هَذا باجتهادٍ؛ لأنهم لَمَّا
يُضيِّفوهم قالوا: لا نَرقيكم إلا بجُعْل، فدلَّ على أنهم لو ضَيَّفوهم رَقَوه