بدونِ شيءٍ، وإنما فَعلوا هذا مِن بابِ
المُجازَاة، فدلَّ على أن الرُّقْيَة ليستْ حِرفةً، وإنما الصَّحابة فَعلوا هَذا
من بابِ المُجازَاة لهَؤلاء، لأن قِرَى الضيفِ أمرٌ واجبٌ؛ لقولِه صلى الله عليه
وسلم : «مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللهِ
وَاليَوْمِ الآخِرِ فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ» ([1]).
فالضيافةُ أمرٌ واجبٌ في
القُرَى والبَوَادِي التي ليس فيها مَطاعم، ولا فنادقَ، وليسَ فيها مَحلاَّت لبَيع
الطعامِ، فيَجب على مَن نزلَ به ضيفٌ في هذه الأماكِن أن يُكرمه وأن يُقْرِيه،
والضِّيافة مَعروفةٌ عندَ العَرَب، وهي مِن الخِصال الطَّيِّبة عِند العَرَب، لكِن
يَكون فِيهم بَعض المُخالِفين للعَادات الطَّيِّبة مِثل هَذا الحَيِّ، فهَذا خارجٌ
عَن عادةِ العَرَب.
الفائدة الرابعة: يُؤخَذ مِن هَذا
الحديثِ أنه لابُدَّ مِن سُؤال أهلِ العِلْم، فهَؤلاء الصَّحَابة ما طابتْ أنفسُهم
أن يَقتسموا هَذا الجُعْل حتى يَسألوا النبيَّ صلى الله عليه وسلم هَل هُو حَلال
أَم حَرَام، فلما سَألوه أَقَرَّهم عَلى ذَلك، وقالَ: «اضْرِبُوا لِي مَعَكُمْ سَهْمًا»؛ ليُطَيِّبَ خَواطرهم، ويُذهِب ما
فِيها من التَّوَقُّف، فإذا أخذَ مِنه الرسُول صلى الله عليه وسلم ذهبَ ما في
قُلوبهم من التوقُّف والكَرَاهِية.
الفائدة الخامسة: أن سورةَ الفاتحةِ
رُقْيَة، ولذلكَ فإنّ مِن أسمائِها: الرُّقْيَة، والكَافِية.
وقوله: «فقد أثَّر هذا الدواءُ في هذا الداءِ» هذا هو النتيجةُ ومَحَلّ الشاهدِ مِن الحديثِ أنَّ هذه الرُّقْيَة شَفَى اللهُ بها هَذا المَرِيض، فدَلَّ على أنَّ القُرآنَ شِفاءٌ حَتى مِن الأمراضِ الحِسِّيَّة.
([1])أخرجه: البخاري رقم (6018)، ومسلم رقم (47).