×
تعْليقَاتٌ على الجَوابِ الكَافي الجزء الأول

 يَدُلاَّن على أن الأخذَ بالأسبابِ لا يَمنع مِن الإيمانِ بالقَضاء والقَدَر، ولا تَنافِي بينَهما.

وقوله: «بل الفَقيه كُل الفَقيه الذِي يَرُد القَدَر بالقَدَر، ويَدفع القَدَر بالقَدَر، ويُعارِض القَدَر بالقَدَر»، يَعني: يَعتقد السبَب، ويَرُد القَدَر بالقَدَر، كما جاءَ عن عُمر رضيَ اللهُ عَنه لما بلغَه وقوعُ الطَّاعُون في الشامِ، فلم يَدخُل البَلَد، فقِيل له: أَتَفِرّ مِن قَدَر اللهِ؟! قالَ: «نَعَمْ، نَفِرّ مِن قَدَر اللهِ إلى قَدَر اللهِ»،;فالأسبابُ مِن قَدَر اللهِ أيضًا.

وقَوله: «من وفَّقه اللهُ وألهمَه رُشده يَدفع قَدَر العُقوبة الأُخْرَوِيّة بقَدَر التوبةِ والإيمانِ والأعمالِ الصالحةِ»، يَعني: يَدفع ما قدَّره الله جل وعلا مِن مَخاطر ومَصائب وعُقوبات بأَضدادِها، كما يَدفع الجُوع بالأكلِ، والعَطَش بالشُّرْبِ، والبَرد بالوِقَاية منه، فهَذه كُلها أسبابٌ، واتِّخاذ الأسبابِ من القَدَر، ولولا أن اللهَ تبارك وتعالى قدَّر الأخذَ بالأسبابِ لما حَصلت.

وهذه مسألةٌ عظيمةٌ حصلَ فيها مُغالطة مِن القَدَرِيّة.

فإذا تأمَّلْتَ في الكَوْن، وتأمَّلْتَ في القُرآن، وتأمَّلت في السنةِ، عرفتَ أنه لابُدَ من اتِّخاذ الأسبابِ؛ لأن الله عز وجل ذكرَ للخيرِ أسبابًا، وذكرَ للشرِّ أسبابًا، وذكرَ للسعادةِ أسبابًا، وذكرَ للشقاوةِ أسبابًا، ورَتَّب على هَذه الأسبَاب نَتائجها. وأيضًا إذا نظرتَ في الوَقائع والحَوادث تَجِد أنه ما مِن شيءٍ يَحدث إلا وله سَببٌ، فإلغاءُ الأسبابِ هذا غَلط، كما أن الاعتمادَ على الأسبابِ فقط غَلَطٌ، فلا بُدَّ من الجَمْع بين الأمرينِ: فِعْل الأسبابِ والإيمَان بالقَضَاء والقَدَر، ولا تَناقُض بَينهما أبدًا عِند أهلِ الإيمَان وأربابِ العُقول.

***


الشرح