×
تعْليقَاتٌ على الجَوابِ الكَافي الجزء الأول

وَبَعْدَ ذَلِكَ إِذَا تَأَمَّلْتَ أَخْبَارَ الأُْمَمِ، وَأَيَّامَ اللَّهِ فِي أَهْلِ طَاعَتِهِ وَأَهْلِ مَعْصِيَتِهِ، طَابَقَ ذَلِكَ مَا عَلِمْتَهُ مِنَ الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ، وَرَأَيْتَهُ بِتَفَاصِيلِ مَا أَخْبَرَ اللَّهُ بِهِ، وَوَعَدَ بِهِ، وَعَلِمْتَ مِنْ آيَاتِهِ فِي الآْفَاقِ مَا يَدُلُّكَ عَلَى أَنَّ الْقُرْآنَ حَقٌّ، وَأَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ، وَأَنَّ اللَّهَ يُنْجِزُ وَعْدَهُ لاَ مَحَالَةَ، فَالتَّارِيخُ تَفْصِيلٌ لِجُزْئِيَّاتِ مَا عَرَّفَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ مِنَ الأَْسْبَابِ الْكُلِّيَّةِ لِلْخَيْرِ وَالشَّرِّ.

الأَْمْرُ الثَّانِي: أَنْ يَحْذَرَ مُغَالَطَةَ نَفْسِهِ عَلَى هَذِهِ الأَْسْبَابِ وَهَذَا مِنْ أَهَمِّ الأُْمُورِ، فَإِنَّ الْعَبْدَ يَعْرِفُ أَنَّ الْمَعْصِيَةَ وَالْغَفْلَةَ مِنَ الأَْسْبَابِ الْمُضِرَّةِ لَهُ فِي دُنْيَاهُ وَآخِرَتِهِ وَلاَ بُدَّ، وَلَكِنْ تُغَالِطُهُ نَفْسُهُ بِالاِتِّكَالِ عَلَى عَفْوِ اللَّهِ وَمَغْفِرَتِهِ تَارَةً، وَبِالتَّسْوِيفِ بِالتَّوْبَةِ تارة، وَالاِسْتِغْفَارِ بِاللِّسَانِ تَارَةً، وَبِفِعْلِ الْمَنْدُوبَاتِ تَارَةً، وَبِالْعِلْمِ تَارَةً، وَبِالاِحْتِجَاجِ بِالْقَدَرِ تَارَةً، وَبِالاِحْتِجَاجِ بِالأَْشْبَاهِ وَالنُّظَرَاءِ تَارَةً، وَبِالاِقْتِدَاءِ بِالأَْكَابِرِ تَارَةً.

****

الشرح

تقدَّم كَلام المُصنف رحمه الله على أن الدعاءَ مِن أَعظم الأسبابِ لحُصول المَقصود، وأن الله جل وعلا رتَّب الأشياءَ على أسبابِها، وفي هَذا رَدٌّ على غُلاةِ الصُّوفِية الذِين يُعطِّلون الأسبابَ، ويُغالونَ في القَضاء والقَدَر، ويَقولون: إذا كانَ الشيءُ مُقدَّرًا فلا بُدَّ من حُصوله ولو لم نُعمِل أسبابَه، وإذا لم يُقدَّر فَإنه لا يَحصُل ولو أَعْمَلنا السببٍَ.

وهذه مُغالطةٌ بلا شَكٍّ؛ لأن الله جل وعلا كما أنه قَدَّر المَقادير فإنه أمرَ باتِّخَاذ الأسبابِ، فالقَضاء والقَدَر مِن شَأن الله عز وجل ، وفِعل الأسبابِ مِن شَأننا نَحن، وقد أُمِرنا باتِّخاذ الأسبابِ، ولا يَحصل شَيء بدونِ السبَب، أما إذا فُعِل السببُ فقد يَحصل الشيءُ وقد لا يحصُل، أما حُصول الشيءِ بدونِ سببٍ فهذا مُحال، فكُل شيءٍ له سببٌ، والدعَاء مِن أعظمِ الأسبابِ لحُصول الإجابَة وحُصول المَقصود، والكِتاب والسنَّة


الشرح