وَقَدْ قَالَ أَبُو
أُمَامَةَ بْنُ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ: دَخَلْتُ أَنَا وَعُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ
عَلَى عَائِشَةَ رضي الله عنها فَقَالَتْ: «لَوْ رَأَيْتُمَا رَسُولَ اللَّهِ صلى
الله عليه وسلم فِي مَرَضٍ لَهُ، وَكَانَتْ عِنْدِي سِتَّةُ دَنَانِيرَ - أَوْ
سَبْعَةٌ - فَأَمَرَنِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ أُفَرِّقَهَا،
قَالَتْ: فَشَغَلَنِي وَجَعُ النبي صلى الله عليه وسلم حَتَّى عَافَاهُ اللَّهُ،
ثُمَّ سَأَلَنِي عَنْهَا فَقَالَ: «مَا فَعَلْتِ؟ أَكُنْتِ فَرَّقْتِ السِّتَّةَ
الدَّنَانِيرِ؟» فَقُلْتُ: لاَ وَاللَّهِ، لَقَدْ شَغَلَنِي وَجَعُكَ، قَالَتْ:
فَدَعَا بِهَا، فَوَضَعَهَا فِي كَفِّهِ، فَقَالَ: « مَا ظَنُّ نَبِيِّ اللَّهِ
لَوْ لَقِيَ اللَّهَ وَهَذِهِ عِنْدَهُ؟».
وَفِي لَفْظٍ: «مَا ظَنُّ
مُحَمَّدٍ بِرَبِّهِ لَوْ لَقِيَ اللَّهَ وَهَذِهِ عِنْدَهُ» ([1]).
فَيَا لَلَّهِ! مَا ظَنُّ
أَصْحَابِ الْكَبَائِرِ وَالظَّلَمَةِ بِاللَّهِ إِذَا لَقَوْهُ وَمَظَالِمُ
الْعِبَادِ عِنْدَهُمْ؟ فَإِنْ كَانَ يَنْفَعُهُمْ قَوْلُهُمْ: «حَسَّنَّا
ظُنُونَنَا بِكَ»، لَمْ يُعَذِّبَ ظَالِم وَلاَ فَاسِق. فَلْيَصْنَعِ الْعَبْدُ
مَا شَاءَ، وَلِيَرْتَكِبْ كُلَّ مَا نَهَاهُ اللَّهُ عَنْهُ، وَلِيُحْسِنْ
ظَنَّهُ بِاللَّهِ، فَإِنَّ النَّارَ لاَ تَمَسُّهُ! فَسُبْحَانَ اللَّهِ! مَا
يَبْلُغُ الْغُرُورُ بِالْعَبْدِ!
وَقَدْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ
لِقَوْمِهِ: { أَئِفۡكًا
ءَالِهَةٗ دُونَ ٱللَّهِ تُرِيدُونَ ٨٦ فَمَا ظَنُّكُم بِرَبِّ ٱلۡعَٰلَمِينَ
٨٧} [الصَّافَّاتِ:
86، 87] . أَيْ: مَا ظَنُّكُمْ أَنْ يَفْعَلَ بِكُمْ إِذَا لَقِيتُمُوهُ وَقَدْ
عَبَدْتُمْ غَيْرَهُ؟!
وَمَنْ تَأَمَّلَ هَذَا الْمَوْضِعَ
حَقَّ التَّأَمُّلِ عَلِمَ أَنَّ حُسْنَ الظَّنِّ بِاللَّهِ هُوَ حُسْنُ الْعَمَلِ
نَفْسُهُ، فَإِنَّ الْعَبْدَ إِنَّمَا يَحْمِلُهُ عَلَى حُسْنِ الْعَمَلِ ظَنُّهُ
بِرَبِّهِ أَنْ يُجَازِيَهُ عَلَى أَعْمَالِهِ، وَيُثِيبَهُ عَلَيْهَا،
وَيَتَقَبَّلَهَا مِنْهُ.
فَالَّذِي حَمَلَهُ عَلَى الْعَمَلِ حُسْنُ الظَّنِّ، فَكُلَّمَا حَسُنَ ظَنُّهُ حَسُنَ عَمَلُهُ، وَإِلاَّ فَحُسْنُ الظَّنِّ مَعَ اتِّبَاعِ الْهَوَى عَجْزٌ. كَمَا فِي حَدِيثِ التِّرْمِذِيِّ وَالْمُسْنَدِ مِنْ حَدِيثِ شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:
([1])أخرجه: أحمد رقم (24604)، وابن حبان رقم (3213)، والبيهقي في الكبرى رقم (13029).