وَقِيلَ لِلْحَسَنِ: نَرَاكَ طَوِيلَ
الْبُكَاءِ! فَقَالَ: أَخَافُ أَنْ يَطْرَحَنِي فِي النَّارِ وَلاَ يُبَالِي. ([1]) وَسَأَلَ
رَجُلٌ الْحَسَنَ، فَقَالَ: يَا أَبَا سَعِيدٍ، كَيْفَ نَصْنَعُ بِمُجَالَسَةِ
أَقْوَامٍ يُخَوِّفُونَا حَتَّى تَكَادَ قُلُوبُنَا تَطِيرُ؟ فَقَالَ: وَاللَّهِ
لَأَنْ تَصْحَبَ أَقْوَامًا يُخَوِّفُونَكَ حَتَّى تُدْرِكَ أَمْنًا خَيْرٌ لَكَ
مِنْ أَنْ تَصْحَبَ أَقْوَامًا يُؤَمِّنُونَكَ حَتَّى تَلْحَقَكَ الْمَخَاوِفُ ([2]).
****
الشرح
هذا الحكمُ في دينِ اللهِ أن
الإنسانَ لا يغترّ بعملِه، فالحَسَن البَصْرِيّ رحمه الله من أئمَّة التابعينَ،
ومن أهلِ العِلم والتقوَى والوَرَع، ولم يَأخُذه الرجَاء، مع أنه يَعملُ الأعمالَ
الصالحةَ، ويخافُ أن يطرحَه الله جل وعلا في النارِ ولا يُبالي، ولهذا قالَ سبحانه
وتعالى : {وَٱلَّذِينَ
يُؤۡتُونَ مَآ ءَاتَواْ} مِن الأعمالِ الصالِحة { وَّقُلُوبُهُمۡ وَجِلَةٌ
أَنَّهُمۡ إِلَىٰ رَبِّهِمۡ رَٰجِعُونَ } [المؤمنون: 60] ، أي: ويخافونَ مِن الله عز وجل .
فعَلى العبدِ أن يختارَ مَن
يُجالِس، فلا يَجلسُ مع الذينَ يَتساهلون بالمَعاصي، ويَذهبون لهذا المَذْهَب
الخَبيث، ويَقولون: رحمةُ اللهِ واسعةٌ، ونَحو ذلكَ.
نَعَمْ، رحمةُ اللهِ واسعةٌ، لكِن لمَن هذه الرحمَة؟! يقولُ اللهُ تبارك وتعالى : {إِنَّ رَحۡمَتَ ٱللَّهِ قَرِيبٞ مِّنَ ٱلۡمُحۡسِنِينَ} [الأعراف: 56] ، واللهُ لا يَضَعُ الرحمةَ إلا في مَوْضِعها، ولا يَضَعُ العقوبةَ إلا في مَوْضِعها، فما الذِي يُؤمِّنك مِن العُقوبة وقد توعَّد الله جل وعلا العُصاة والمُذنبين؟! فكما أنَّك تَرجُو ثوابَ اللهِ ومَغفرته، عَليك أيضًا أن تخافَ عِقابه، فتَجمعُ بينَ الخوفِ والرجاءِ.
([1])أخرجه: ابن الجوزي في المنتظم في تاريخ الملوك والأمم (7/137).