وَفِي جَامِعِ
التِّرْمِذِيِّ عَنْهُ صلى الله عليه وسلم : «إِنَّ اللَّهَ يُعْطِي الدُّنْيَا
مَنْ يُحِبُّ وَمَنْ لاَ يُحِبُّ، وَلاَ يُعْطِي الإِْيمَانَ إِلاَّ مَنْ يُحِبُّ»
([1]).
وَقَالَ بَعْضُ السَّلَفِ:
رُبَّ مُسْتَدْرَجٍ بِنِعَمِ اللَّهِ عَلَيْهِ وَهُوَ لاَ يَعْلَمُ، وَرُبَّ
مَغْرُورٍ بِسَتْرِ اللَّهِ عَلَيْهِ وَهُوَ لاَ يَعْلَمُ، وَرُبَّ مَفْتُونٍ
بِثَنَاءِ النَّاسِ عَلَيْهِ وَهُوَ لاَ يَعْلَمُ.
****
الشرح
قوله: «وَرُبَّمَا اتَّكَلَ بَعْضُ الْمُغْتَرِّينَ
عَلَى مَا يَرَى مِنْ نِعَمِ اللَّهِ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا» كالذين قالوا: {نَحۡنُ
أَكۡثَرُ أَمۡوَٰلٗا وَأَوۡلَٰدٗا وَمَا نَحۡنُ بِمُعَذَّبِينَ} [سبأ: 35] ، وصاحبُ
الجنتينِ الذِي قالَ: { وَدَخَلَ جَنَّتَهُۥ وَهُوَ
ظَالِمٞ لِّنَفۡسِهِۦ قَالَ مَآ أَظُنُّ أَن تَبِيدَ هَٰذِهِۦٓ أَبَدٗا ٣٥ وَمَآ
أَظُنُّ ٱلسَّاعَةَ قَآئِمَةٗ وَلَئِن رُّدِدتُّ إِلَىٰ رَبِّي لَأَجِدَنَّ
خَيۡرٗا مِّنۡهَا مُنقَلَبٗا ٣٦} [الكهف: 35، 36] ، فاغترَّ بما عِنده في الدنيَا، وظنَّ
أنه إذا كانَ هذا عَطاء اللهِ له في الدنيَا فَفِي الآخرةِ سيُعطيه أكثرَ.
وهذا غرورٌ - والعِياذُ
باللهِ - فقد يُعطِي اللهُ الدنيَا للكافرِ والمُشرِك؛ لأنها لا تُساوِي عندَ
اللهِ شيئًا، و «لَوْ كَانَتِ الدُّنْيَا
تَعْدِلُ عِنْدَ اللهِ جَنَاحَ بَعُوضَةٍ مَا سَقَى كَافِرًا مِنْهَا شَرْبَةَ
مَاءٍ» ([2]).
فهو سبحانه وتعالى يُعطي الدنيَا مَن يُحِبّ ومَن لا يُحِبّ، أما الآخِرَة فلا يُعطِيها إلا مَن يُحِب، فلا يَغترّ الإنسانُ بحالِه في الدنيَا والنَّعيم الذِي هو فيه في الدنيَا، ويظُن أن اللهَ سيُكرمه في الآخرةِ، بدُون عملٍ وبدونِ تَقوى وبدونِ طاعةٍ؛ لأن النجاةَ والإكرامَ في الآخرةِ لا تَحصُل إلا لأهلِ العَمل الصالحِ: { وَمَآ أَمۡوَٰلُكُمۡ وَلَآ أَوۡلَٰدُكُم بِٱلَّتِي تُقَرِّبُكُمۡ عِندَنَا زُلۡفَىٰٓ إِلَّا مَنۡ ءَامَنَ وَعَمِلَ صَٰلِحٗا } [سبأ: 37] .
([1])أخرجه: أحمد رقم (3672)، والحاكم رقم (94)، والطبراني في الكبير رقم (8990).