فإذا رأيتَ الدنيَا في يدِ
مَن لا يخافُ اللهَ عز وجل فاعلمْ أنه استدراجٌ، كما في قَوله تبارك وتعالى : {فَلَمَّا
نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِۦ فَتَحۡنَا عَلَيۡهِمۡ أَبۡوَٰبَ كُلِّ شَيۡءٍ}، وأما إذا كانتْ مع
الطاعةِ والعِبادة فهذه إعانةٌ مِن اللهِ سبحانه وتعالى .
فلَيْسَت العِبرة بما في يَد
الإنسانِ من الغِنَى والثَّرْوَة، وإنما العِبرة بحَاله مع اللهِ جل وعلا ، فإنْ
كانَ عاصيًا للهِ فهذا استدراجٌ له، وإن كانَ مُطِيعًا للهِ فهَذه نِعمةٌ وإعانةٌ
مِن اللهِ سبحانه وتعالى ، كما قالَ تبارك وتعالى : { كَلَّآ إِنَّ ٱلۡإِنسَٰنَ
لَيَطۡغَىٰٓ ٦ أَن
رَّءَاهُ ٱسۡتَغۡنَىٰٓ ٧} [العلق: 6، 7] ، وقالَ جل وعلا : {فَأَمَّا ٱلۡإِنسَٰنُ
إِذَا مَا ٱبۡتَلَىٰهُ رَبُّهُۥ فَأَكۡرَمَهُۥ وَنَعَّمَهُۥ فَيَقُولُ رَبِّيٓ
أَكۡرَمَنِ} [الفجر: 15] يَظُنّ
أن هذا لكَرامتِه على اللهِ ويَغترّ،{وَأَمَّآ إِذَا مَا ٱبۡتَلَىٰهُ
فَقَدَرَ عَلَيۡهِ رِزۡقَهُۥ} يعني: ضيَّقه وأَفْقَرَه {فَيَقُولُ رَبِّيٓ أَهَٰنَنِ} [الفجر: 16] ، يَظُنّ
أن هَذا إهانةٌ من اللهِ، مع أنه من مَصلحته، وليس بإهانَة كَرامة.
فهذا أفضلُ الخَلق مُحمد صلى
الله عليه وسلم كانَ يَربطُ الحَجَرَ على بَطنه من شِدّة الجُوع ([1]) وتَمُرّ
عليه الشهورُ ولا يُوقَد في بَيته نارٌ ([2])فليس الفقرُ وضِيق
الرزقِ بدليلٍ على إهانةِ اللهِ لعَبده، بل هو حِكمةٌ من اللهِ تبارك وتعالى ، فلا
قَبض الدنيَا دليلٌ على الإهانَة، ولا بَسطها دليلٌ على الكرامَة.
***
الصفحة 33 / 436