فمَن أرادَ أن تُنبِت أرضُه
وتُثمر فلا بُدَّ أن يعملَ الأسبابَ؛ فيُصلحها، ويَغرسها، ويَروِيها، ويُواليها،
ولا يَتركها بدونِ عملٍ، وكذلك الإنسانُ في الحَياة، حَياته كأرضِه، إذا أحسنَ
الظنَّ باللهِ وأخذَ بالأسبابِ، فتركَ المَعاصي، وعملَ الطاعاتِ، أثمرتْ رِضا
اللهِ والجنَّة، أما أن يَترُك الأعمالَ الصالحاتِ، ويُقيم على المَعاصي، ويَقول:
أنا أُحسِن الظنَّ باللهِ، فهذا جُنون وحَمق.
كذلكَ مِن الأمثلةِ
المَحسوسة: الذِي يَرجو الذريَّة ولا يتزوَّج، كيفَ تَأتيه الذريَّة وهو لم يتزوَّج؟!
لأن الزواجَ سببٌ للذريَّة، فإذا أعرضَ عن الزواجِ وقالَ: إن كانَ اللهُ قَسَمَ لي
ذريةً فستَأتيني لا مَحالةَ. فهو أحمقُ، لا بُدَّ له أن يتزوَّج ويَعمل السببَ حتى
تَأتيه الذريةُ؛ لأن اللهَ جل وعلا ربطَ الأشياءَ بأسبابِها.
فهذا مَثل الآخرةِ، فلا
يَحصل العبدُ في الآخرةِ على الدَّرَجات العُلَى والنعيمِ المُقيم إلا بالعملِ
الصالحِ والإقلاعِ عن المَعاصي، والتوبةِ إلى اللهِ، وامتثالِ أوامرِه، واجتنابِ
نَواهيه.
وفي قَوله سبحانه وتعالى : { إِنَّ ٱلَّذِينَ
ءَامَنُواْ وَٱلَّذِينَ هَاجَرُواْ وَجَٰهَدُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ أُوْلَٰٓئِكَ
يَرۡجُونَ رَحۡمَتَ ٱللَّهِۚ} [الْبَقَرَةِ: 218] دليلٌ على أن حُسْنَ الظنِّ لا
يَكفِي، بل لا بُدَّ معه من العَمل؛ لأن المُؤمنين ما صَاروا يرجُون رحمةَ اللهِ
وتَركوا الهِجْرة، وتَركوا الجِهاد، وتَركوا العملَ الصالحَ، بل لما رَجوا اللهَ
لم يَقتصروا على الرجاءِ، وإنما قدَّموا من الأعمالِ ما يحقِّق لهم رَجاءَهم.
أما المُفَرِّطُون المُضيِّعون لحقوقِ اللهِ فيَعملون بعكسِ الآيةِ، فيَزعمون أنهم يَرجون رحمةَ اللهِ، ولا يَمنعهم ذلك من البَغْيِ، والعُدوان،