وَقَالَ ابْنُ زَيْدٍ { ظَهَرَ ٱلۡفَسَادُ
فِي ٱلۡبَرِّ وَٱلۡبَحۡرِ } [الرُّومِ: 41] ، قَالَ: الذُّنُوبُ ([1]).
قُلْتُ: أَرَادَ أَنَّ
الذُّنُوبَ سَبَبُ الْفَسَادِ الَّذِي ظَهَرَ، وَإِنْ أَرَادَ أَنَّ الْفَسَادَ
الَّذِي ظَهَرَ هُوَ الذُّنُوبُ نَفْسُهَا، فَتَكُونُ اللاَّمُ فِي قَوْلِهِ: {لِيُذِيقَهُم} [الرُّومِ: 41]
لاَمَ الْعَاقِبَةِ وَالتَّعْلِيلِ.
وَعَلَى الأَْوَّلِ
فَالْمُرَادُ بِالْفَسَادِ: النَّقْصُ وَالشَّرُّ وَالآْلاَمُ الَّتِي يُحْدِثُهَا
اللَّهُ فِي الأَْرْضِ عِنْدَ مَعَاصِي الْعِبَادِ، فَكُلَّمَا أَحْدَثُوا ذَنْبًا
أَحْدَثَ اللَّهُ لَهُمْ عُقُوبَةً، كَمَا قَالَ بَعْضُ السَّلَفِ: «كُلَّمَا أَحْدَثْتُمْ ذَنْبًا أَحْدَثَ
اللَّهُ لَكُمْ مِنْ سُلْطَانِهِ عُقُوبَةً» ([2])
وَالظَّاهِرُ - وَاللَّهُ
أَعْلَمُ - أَنَّ الْفَسَادَ الْمُرَادَ بِهِ الذُّنُوبُ وَمُوجِبَاتُهَا، وَيَدُلُّ
عَلَيْهِ قَوْلُهُ تَعَالَى: {لِيُذِيقَهُم بَعۡضَ ٱلَّذِي
عَمِلُواْ} [الرُّومِ: 41]
فَهَذَا حَالُنَا، وَإِنَّمَا أَذَاقَنَا الشَّيْءَ الْيَسِيرَ مِنْ أَعْمَالِنَا،
وَلَوْ أَذَاقَنَا كُلَّ أَعْمَالِنَا لَمَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِنْ
دَابَّةٍ.
****
الشرح
هذا واضحٌ أن ما يُصيب الناسَ في البَرِّ والبَحر هو بسَبب الذنوبِ والمعَاصي، في البَر: فسادُ الزروعِ والثِّمار، وغَور الآبارِ، وانحباسُ الأمطارِ، كُل ذلك بسَبب الذنوبِ، وفي البَحر: ما يُصيب المراكبَ والسفنَ، وتَلف الأموالِ، وتَلف الأنفسِ، كُل ذلك بسَبب الذنوبِ، ولو أن الناسَ صَلحوا لصَلحتْ لهم دُنياهم وآخرَتهم: {وَلَوۡ أَنَّ أَهۡلَ ٱلۡقُرَىٰٓ ءَامَنُواْ وَٱتَّقَوۡاْ لَفَتَحۡنَا عَلَيۡهِم بَرَكَٰتٖ مِّنَ ٱلسَّمَآءِ وَٱلۡأَرۡضِ وَلَٰكِن كَذَّبُواْ فَأَخَذۡنَٰهُم بِمَا كَانُواْ يَكۡسِبُونَ} [الأعراف: 96] .
([1])أخرجه: الطبري في تفسيره (18/511).