وانطفاءُ الغيرةِ في قَلب
الإنسانِ من أعظمِ العُقوبات وأشدِّها، فتَراهُ لا يَأنف من المَعاصي وأَهل
المَعاصي، بل يَألفهم ويَألفونه، وسببُ ذلك: كثرةُ ما وقعَ من الذنوبِ، فأذهبتْ
غيرتَه.
وأما مَسألة قبولِ العُذر:
فالعُذر مقبولٌ إذا كانَ صحيحًا، فيَنبغي للإنسانِ أن يقبلَ العُذر، ولا يَحمله
شِدّة الغيرةِ على ألا يقبلَ توبةَ التائبِ، فهذا مذمومٌ.
وهنا مَسألة عجيبةٌ يَقع
فيها الكَثير مِن الناسِ اليَوم، وهي: أنهم يَغتابون العُصاة ويَقولون: فُلان فعلَ
كذا، وفُلان فعلَ كذا، ويظنُّون أن ذلك مِن الغيرةِ، وهو ليسَ كَذلك، وليسَ من
إنكارِ المُنكر، بل هو مِن الغيبةِ المُحرَّمة.
فمن أرادَ أن ينكرَ المُنكر
فله طُرقه، وليسَ مِنها أن يُعدِّد ذُنوب الناسِ ويَغتاب العُصاة، فهذا من
الغيبةِ، وقد وقعَ فيه كَثير من الناسِ اليَوم بحُجَّة أن هذا مِن الغيرةِ ومن
الإنكارِ، وإنما هو مُنكَرٌ في الحَقيقة، والمُنكَر لا يُزال بالمُنكَر، إنما
يُزال المُنكَر بالمَعروف، فاغتيابُ الناسِ والوقُوع في أعراضِهم في غيبتِهم وذِكر
مَساوِئهم في المَجالس هذا ليسَ من إنكارِ المُنكر، بل يزيدُ المُنكر شرًّا،
ويَزيده مُنكرًا آخرَ.
أما إذا رُفِع أمرُ العَاصي إلى السُّلطان أو إلى وَلِيِّ الأمرِ، وذُكِر ذنوبُه ومَعاصيه؛ ليُؤخذَ على يدِه، فلا بأسَ بذلك؛ لتحصيلِ مصلحةٍ راجحةٍ، بشَرط أن يكونَ عِند السلطانِ، أو عِند من له قُدرة على مُعاقبته، فإذا ذُكِر مَعاصيه عِند إنسانٍ ليس له قُدرة فهذا مِن الغيبةِ المَحضة.