بل يَدعو إلى المُنكر والعياذُ باللهِ، كما قالَ
تعَالى في المُنافقين: {ٱلۡمُنَٰفِقُونَ وَٱلۡمُنَٰفِقَٰتُ
بَعۡضُهُم مِّنۢ بَعۡضٖۚ يَأۡمُرُونَ بِٱلۡمُنكَرِ وَيَنۡهَوۡنَ عَنِ ٱلۡمَعۡرُوفِ} [التوبة: 67] ؛
لأنهم ليس عِندهم غيرةٌ مثل المُؤمنين الذِين يَأمرون بالمَعرُوف وينهونَ عن
المُنكر؛ فالمُؤمنون ما صَاروا يأمرونَ بالمَعروفِ وينهونَ عن المُنكَر إلا لوجودِ
الغيرةِ في قُلوبهم، والمُنافقون على العَكس من الأمرِ ما صَاروا يأمرونَ بالمُنكر
ويَنهون عن المَعروف إلا لفَقدهم الغيرةَ في قُلوبهم.
وهذا واقعٌ في الناسِ
اليَوم، فإن الذينَ يدعونَ إلى الإباحيةِ والسُّفور، ويَدعون إلى تَحكيم القَوانين
الوَضعية والأنظمةِ الكَافرة هم مِن هذا النوعِ يأمرونَ بالمُنكر ويَنهون عن
المَعروف؛ يَأمرون بالعريِّ، ويَنهون عن الحِجاب، ويأمرونَ بالرِّبا، ويَنهون عن
المَكاسب المُباحة، ويَقولون: هَذه لا تكفِي؛ والاقتصادُ العَالمي لا يقومُ إلا
على الرِّبا، وما أشبهَ ذلك.
فهؤلاءِ يَأمرون بالمُنكر
ويَنهون عن المَعروف؛ لأنهم ليسَ في قُلوبهم غيرةٌ تَحمِيهم من ذلك، فجَمعوا
بين إساءَتَيْنِ:
الأُولَى: أنهم هُم في
أنفسِهم يَعملون السيِّئات.
الثانية: أنهم يأمرونَ
الناسَ بفِعل السيِّئات.
وقَوله: «وَلِهَذَا كَانَ الدَّيُّوثُ أَخْبَثَ
خَلْقِ اللَّهِ»، الدَّيوث: هو الذِي يُقِرّ السوءَ في أهلِه؛ لأنه ليس عِنده
غيرةٌ، والغيرةُ: هي استنكارُ المُنكَر.
وقوله: «صَيَاصِيِّ الْجَامُوسِ» أي: قُرونه،
خلقَ اللهُ القرونَ للدَّوَاب لتُدافع بها عَن نَفسها، فإذا انكسرتْ صارتِ
الدَّابة ضَعيفة ليس عِندها شيءٌ تُدافع به عن نَفسها ووَلدها، فكَذلك الغيرةُ
للإنسانِ مِثل الصَّيَاصِي يدفعُ بها المَعاصي، فإذا فُقِدت الغيرةُ تسلَّطت عليه
الذنوبُ والمَعاصي.
***
الصفحة 6 / 436