×
تعْليقَاتٌ على الجَوابِ الكَافي الجزء الأول

 فَصْلٌ

وَمِنْ عُقُوبَاتِهَا: أَنَّهَا تُعْمِي بَصِيرَةَ الْقَلْبِ، وَتَطْمِسُ نُورَهُ، وَتَسُدُّ طُرُقَ الْعِلْمِ، وَتَحْجُبُ مَوَادَّ الْهِدَايَةِ.

وَقَدْ قَالَ مَالِكٌ لِلشَّافِعِيِّ لَمَّا اجْتَمَعَ بِهِ وَرَأَى تِلْكَ الْمَخَايِلَ: «إِنِّي أَرَى اللَّهَ تَعَالَى قَدْ أَلْقَى عَلَى قَلْبِكَ نُورًا، فَلاَ تُطْفِئْهُ بِظُلْمَةِ الْمَعْصِيَةِ».

وَلاَ يَزَالُ هَذَا النُّورُ يَضْعُفُ وَيَضْمَحِلُّ، وَظَلاَمُ الْمَعْصِيَةِ يَقْوَى، حَتَّى يَصِيرَ الْقَلْبُ فِي مِثْلِ اللَّيْلِ الْبَهِيمِ، فَكَمْ مِنْ مُهْلَكٍ يَسْقُطُ فِيهِ وَلاَ يُبْصِرُ، كَأَعْمَى خَرَجَ بِاللَّيْلِ فِي طَرِيقٍ ذَاتِ مَهَالِكَ وَمَعَاطِبَ، فَيَا عِزَّةَ السَّلاَمَةِ، وَيَا سُرْعَةَ الْعَطَبِ!

ثُمَّ تَقْوَى تِلْكَ الظُّلُمَاتُ، وَتَفِيضُ مِنَ الْقَلْبِ إِلَى الْجَوَارِحِ، فَيَغْشَى الْوَجْهَ مِنْهَا سَوَادٌ، بِحَسَبِ قُوَّتِهَا وَتَزَايُدِهَا، فَإِذَا كَانَ عِنْدَ الْمَوْتِ ظَهَرَتْ فِي الْبَرْزَخِ، فَامْتَلَأَ الْقَبْرُ ظُلْمَةً، كَمَا قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم : «إِنَّ هَذِهِ الْقُبُورَ مُمْتَلِئَةٌ عَلَى أَهْلِهَا ظُلْمَةً، وَإِنَّ اللَّهَ يُنَوِّرُهَا بِصَلاَتِي عَلَيْهِمْ» ([1]).

فَإِذَا كَانَ يَوْمُ الْمَعَادِ، وَحُشِرَ الْعِبَادُ، عَلَتِ الظُّلْمَةُ الْوُجُوهَ عُلُوًّا ظَاهِرًا يَرَاهُ كُلُّ أَحَدٍ، حَتَّى يَصِيرَ الْوَجْهُ أَسْوَدَ مِثْلَ الْحُمَمَةِ. فَيَالَهَا مِنْ عُقُوبَةٍ لاَ تُوَازَنُ لَذَّاتِ الدُّنْيَا بِأَجْمَعِهَا مِنْ أَوَّلِهَا إِلَى آخِرِهَا! فَكَيْفَ بِقِسْطِ الْعَبْدِ الْمُنَغَّصِ الْمُنَكَّدِ الْمُتْعَبِ فِي زَمَنٍ إِنَّمَا هُوَ سَاعَةٌ مِنْ حُلْمٍ؟! وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ.

****

الشرح

ومن عُقوبات الذنوبِ والمَعاصي: «أَنَّهَا تُعْمِي بَصِيرَةَ الْقَلْبِ، وَتَطْمِسُ نُورَهُ»، وهذا سَبَقَ «وَتَسُدُّ طُرُقَ الْعِلْمِ، وَتَحْجُبُ مَوَادَّ الْهِدَايَةِ»


الشرح

([1])أخرجه: مسلم رقم (956).