فَصْلٌ
وَمِنْ عُقُوبَاتِهَا: أَنَّ
الْعَاصِيَ دَائِمًا فِي أَسْرِ شَيْطَانِهِ، وَسِجْنِ شَهَوَاتِهِ، وَقُيُودِ
هَوَاهُ، فَهُوَ أَسِيرٌ مَسْجُونٌ مُقَيَّدٌ، وَلاَ أَسِيرَ أَسْوَأُ حَالاً مِنْ
أَسِيرٍ أَسَرَهُ أَعْدَى عَدُوٍّ لَهُ، وَلاَ سِجْنَ أَضْيَقُ مِنْ سِجْنِ
الْهَوَى، وَلاَ قَيْدَ أَصْعَبُ مِنْ قَيْدِ الشَّهْوَةِ، فَكَيْفَ يَسِيرُ إِلَى
اللَّهِ وَالدَّارِ الآْخِرَةِ قَلْبٌ مَأْسُورٌ مَسْجُونٌ مُقَيَّدٌ؟! وَكَيْفَ
يَخْطُو خُطْوَةً وَاحِدَةً؟!
وَإِذَا قُيِّدَ الْقَلْبُ
طَرَقَتْهُ الآْفَاتُ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ بِحَسَبِ قُيُودِهِ، وَمَثَلُ الْقَلْبِ
مَثَلُ الطَّائِرِ، كُلَّمَا عَلاَ بَعُدَ عَنِ الآْفَاتِ، وَكُلَّمَا نَزَلَ
اسْتَوْحَشَتْهُ الآْفَاتُ.
وَفِي الْحَدِيثِ: «الشَّيْطَانُ
ذِئْبُ الإِْنْسَانِ» ([1]).
وَكَمَا أَنَّ الشَّاةَ
الَّتِي لاَ حَافِظَ لَهَا وَهِيَ بَيْنَ الذِّئَابِ سَرِيعَةُ الْعَطَبِ، فَكَذَا
الْعَبْدُ إِذَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ حَافِظٌ مِنَ اللَّهِ فَذِئْبُهُ
مُفْتَرِسُهُ وَلاَ بُدَّ، وَإِنَّمَا يَكُونُ عَلَيْهِ حَافِظٌ مِنَ اللَّهِ
بِالتَّقْوَى، فَهِيَ وِقَايَةٌ وَجُنَّةٌ، حَصِينَةٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ ذِئْبِهِ،
كَمَا هِيَ وِقَايَةٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ عُقُوبَةِ الدُّنْيَا وَالآْخِرَةِ،
وَكُلَّمَا كَانَتِ الشَّاةُ أَقْرَبَ مِنَ الرَّاعِي كَانَتْ أَسْلَمَ مِنَ الذِّئْبِ،
وَكُلَّمَا بَعُدَتْ عَنِ الرَّاعِي كَانَتْ أَقْرَبَ إِلَى الْهَلاَكِ،
فَأَسْلَمُ مَا تَكُونُ الشَّاةُ إِذَا قَرُبَتْ مِنَ الرَّاعِي، وَإِنَّمَا
يَأْخُذُ الذِّئْبُ الْقَاصِيَةَ مِنَ الْغَنَمِ، وَهِيَ أَبْعَدُ مِنَ الرَّاعِي.
وَأَصْلُ هَذَا كُلِّهِ: أَنَّ الْقَلْبَ كُلَّمَا كَانَ أَبْعَدَ مِنَ اللَّهِ كَانَتِ الآْفَاتُ إِلَيْهِ أَسْرَعَ، وَكُلَّمَا قَرُبَ مِنَ اللَّهِ بَعُدَتْ عَنْهُ الآْفَاتُ.
الصفحة 1 / 436