×
تعْليقَاتٌ على الجَوابِ الكَافي الجزء الأول

وَالْبُعْدُ مِنَ اللَّهِ مَرَاتِبٌ، بَعْضُهَا أَشَدُّ مِنْ بَعْضٍ، فَالْغَفْلَةُ تُبْعِدُ العبد عَنِ اللَّهِ، وَبُعْدُ الْمَعْصِيَةِ أَعْظَمُ مِنْ بُعْدِ الْغَفْلَةِ، وَبُعْدُ الْبِدْعَةِ أَعْظَمُ مِنْ بُعْدِ الْمَعْصِيَةِ، وَبُعْدُ النِّفَاقِ وَالشِّرْكِ أَعْظَمُ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ.

****

الشرح

كذلكَ مِن آثارِ المَعاصي وعُقوباتها على النفوسِ: أنها تَجعلها في أسرِ الشيطانِ، فالعَاصي يكُون أسيرًا للشيطانِ، ولا يخلصُ مِن مَعصيةٍ إلا ويقعُ في أُخْرَى، فلا يَستطيع النُّهوض ولا الإِفْلاَت مِن العَدُو.

أما الطاعَة فإنها تَفُكّ الإنسانَ من أَسْر الشيطانِ، وتُبعِده عنه، فيكُون طَليقًا في طاعةِ اللهِ عز وجل ، مُتَجنِّبًا للمَعاصي.

فالمَعاصي في الحَقيقة: سِجْن، وذِلَّة، ومَهانة، والطاعَات مَعَزَّة ورِفعة، وكَرامة، فبدلَ أن تكونَ في أَسْر الشيطانِ ادخلْ في حِفظ اللهِ عز وجل وكَنَفِه بطاعتِه، يتولاَّك اللهُ جل وعلا كما قالَ تَعالى: { ٱللَّهُ وَلِيُّ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ يُخۡرِجُهُم مِّنَ ٱلظُّلُمَٰتِ إِلَى ٱلنُّورِۖ وَٱلَّذِينَ كَفَرُوٓاْ أَوۡلِيَآؤُهُمُ ٱلطَّٰغُوتُ يُخۡرِجُونَهُم مِّنَ ٱلنُّورِ إِلَى ٱلظُّلُمَٰتِۗ} [البقرة: 257] .

وقوله: «الشَّيْطَانُ ذِئْبُ الإِْنْسَانِ» يَفترسه إذا لم يتحفَّظ مِنه، كما أن الذئبَ المَعروف يَفترس الغَنَم إذا لم يكُن معها راعٍ يحفظُها ويَطرُده عنها، فكَذلك النفسُ بين أعدائِها كالشَّاة بين الذِّئاب، تَحتاج إلى من يَحفظها، فكُلما كانتْ قَريبة من اللهِ سلمتْ من الشَّيطان، كما أن الشَّاة كُلما كانتْ قريبةً مِن الرَّاعي سلمتْ من الذِّئب، وكُلما كانتْ بعيدةً من الرَّاعي وقعتْ في الخَطر.

وقوله: «وَإِنَّمَا يَأْخُذُ الذِّئْبُ الْقَاصِيَةَ مِنَ الْغَنَمِ» لأجلِ ذلك شَرَعَ اللهُ صلاةَ الجَماعة، لأن الاجتماعَ رحمةٌ، والإنسانَ إذا صَلَّى مع الجَماعة ابتعدَ مِن الشَّيطان، أما إذا صلَّى وحدَه تَسَلَّل إليه الشيطانُ.


الشرح