وَأَمَّا تَأْثِيرُهَا فِي
نُقْصَانِ الْعَقْلِ الْمَعِيشِي، فَلَوْلاَ الاِشْتِرَاكُ فِي هَذَا
النُّقْصَانِ، لَظَهَرَ لِمُطِيعِنَا نُقْصَانُ عَقْلِ عَاصِينَا، وَلَكِنَّ
الْجَائِحَةَ عَامَّةٌ، وَالْجُنُونَ فُنُونٌ!
وَيَا عَجَبًا! لَوْ صَحَّتِ
الْعُقُولُ لَعَلِمَتْ أَنَّ طَرِيقَ تَحْصِيلِ اللَّذَّةِ وَالْفَرْحَةِ
وَالسُّرُورِ وَطِيبِ الْعَيْشِ، إِنَّمَا هُوَ فِي رِضَىِ مَنِ النَّعِيمُ
كُلُّهُ فِي رِضَاهُ، وَالأَْلَمُ وَالْعَذَابُ كُلُّهُ فِي سُخْطِهِ وَغَضَبِهِ.
فَفِي رِضَاهُ قُرَّةُ
الْعُيُونِ، وَسُرُورُ النُّفُوسِ، وَحَيَاةُ الْقُلُوبِ، وَلَذَّةُ الأَْرْوَاحِ،
وَطِيبُ الْحَيَاةِ، وَلَذَّةُ الْعَيْشِ، وَأَطْيَبُ النَّعِيمِ، مِمَّا لَوْ
وُزِنَ مِنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ بِنَعِيمِ الدُّنْيَا لَمْ يَفِ بِهِ، بَلْ إِذَا
حَصَلَ لِلْقَلْبِ مِنْ ذَلِكَ أَيْسَرُ نَصِيبٍ لَمْ يَرْضَ بِالدُّنْيَا وَمَا
فِيهَا عِوَضًا مِنْهُ، وَمَعَ هَذَا فَهُوَ يَتَنَعَّمُ بِنَصِيبِهِ مِنَ
الدُّنْيَا أَعْظَمَ مِنْ تَنَعُّمِ الْمُتْرَفِينَ فِيهَا.
وَلاَ يَشُوبُ تَنَعُّمَهُ
بِذَلِكَ الْحَظِّ الْيَسِيرِ مَا يَشُوبُ تَنَعُّمَ الْمُتْرَفِينَ مِنَ الْهُمُومِ
وَالْغُمُومِ وَالأَْحْزَانِ الْمُعَارِضَاتِ، بَلْ قَدْ حَصَلَ لَهُ عَلَى
النَّعِيمَيْنِ وَهُوَ يَنْتَظِرُ نَعِيمَيْنِ آخَرَيْنِ أَعْظَمَ مِنْهُمَا،
وَمَا يَحْصُلُ لَهُ فِي خِلاَلِ ذَلِكَ مِنَ الآْلاَمِ، فَالأَْمْرُ كَمَا قَالَ
تَعَالَى: { إِن تَكُونُواْ
تَأۡلَمُونَ فَإِنَّهُمۡ يَأۡلَمُونَ كَمَا تَأۡلَمُونَۖ وَتَرۡجُونَ مِنَ ٱللَّهِ
مَا لَا يَرۡجُونَۗ}
[النِّسَاءِ: 104] .
فَلاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ
مَا أَنْقَصَ عَقْلَ مَنْ بَاعَ الدُّرَّ بِالْبَعْرِ، وَالْمِسْكَ بِالرَّجِيعِ،
وَمُرَافَقَةَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ
وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ، بِمُرَافَقَةِ الَّذِينَ غَضِبَ
اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا.
****
الشرح
ومن عُقوبات الذنوبِ أيضاً: «أَنَّهَا تُؤَثِّرُ بِالْخَاصَّةِ فِي نُقْصَانِ الْعَقْلِ»، ولذلكَ فإن الطاعةَ عقلٌ ورِفعةٌ، والمَعصية جَهلٌ.