وقوله: «وَمَعَ هَذَا فَهُوَ يَتَنَعَّمُ
بِنَصِيبِهِ مِنَ الدُّنْيَا أَعْظَمَ مِنْ تَنَعُّمِ الْمُتْرَفِينَ فِيهَا»
أَهل الطاعةِ والذكرِ للهِ عز وجل هم الذينَ يتنعَّمون في الدنيَا في طاعةِ اللهِ،
بخِلاف أهلِ الشهواتِ فإنهم لا يتنعَّمون فِيها، وإن نَالوا شَهواتهم لكِن هم في
ذِلَّة، وفي خُمول؛ فاللَّذة إنما تكُون في طاعةِ اللهِ عز وجل ، ولذلكَ
المُتهجِّدون يتلذَّذون بقِيام الليلِ ألذَّ من الطعامِ والشرابِ، ويتلذَّذون
بتِلاوة القُرآن، ويتلذَّذون بالطاعاتِ؛ فلذَّة الدنيَا إنما هِي بالطاعةِ.
وقوله: «مَا أَنْقَصَ عَقْلَ مَنْ بَاعَ الدُّرَّ
بِالْبَعْرِ، وَالْمِسْكَ بِالرَّجِيعِ»، وهذا كَما في المَثَل: «الطيورُ على أشباهِها تَقَع»، فتَجِد
أهلَ الطاعةِ وأهلَ العِبادة بَعضهم معَ بعضٍ، يألفُ بعضُهم بعضاً، بَينما تَجِد
أهلَ المَعاصي بَعضهم مع بعضٍ مُنعزلين، يَأنفون مِن مُجالسة الطيِّبين، كَما أن
أهلَ الطاعةِ لا يَأنسون بمُجالسة أهلِ المَعاصي والانبساطِ معهم، فكُل يَجلس مع
نَظيره وكُفْئِه ومَثيله.
***
الصفحة 3 / 436