فَصْلٌ
وَمِنْ عُقُوبَاتِهَا:
أَنَّهَا تَجْعَلُ صَاحِبَهَا مِنَ السِّفْلَةِ بَعْدَ أَنْ كَانَ مُهَيَّئًا
لأَِنْ يَكُونَ مِنَ الْعِلْيَةِ، فَإِنَّ اللَّهَ خَلَقَ خَلْقَهُ قِسْمَيْنِ:
عِلْيَةً، وَسِفْلَةً، وَجَعَلَ عِلِّيِّينَ مُسْتَقَرَّ الْعِلْيَةِ، وَأَسْفَلَ
سَافِلِينَ مُسْتَقَرَّ السِّفْلَةِ، وَجَعَلَ أَهْلَ طَاعَتِهِ الأَْعْلَيْنَ فِي
الدُّنْيَا وَالآْخِرَةِ، وَأَهْلَ مَعْصِيَتِهِ الأَْسْفَلِينَ فِي الدُّنْيَا
وَالآْخِرَةِ.
كَمَا جَعَلَ أَهْلَ
طَاعَتِهِ أَكْرَمَ خَلْقِهِ عَلَيْهِ، وَأَهْلَ مَعْصِيَتِهِ أَهْوَنَ خَلْقِهِ
عَلَيْهِ، وَجَعَلَ الْعِزَّةَ لِهَؤُلاَءِ، وَالذِّلَّةَ وَالصَّغَارَ
لِهَؤُلاَءِ، كَمَا فِي مُسْنَدِ أَحْمَدَ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ
عَمْرٍو عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: «بُعِثْتُ بِالسَّيْفِ
بَيْنَ يَدَيِ السَّاعَةِ، وَجُعِلَ رِزْقِي تَحْتَ ظِلِّ رُمْحِي، وَجُعِلَ
الذُّلُّ وَالصَّغَارُ عَلَى مَنْ خَالَفَ أَمْرِي» ([1]).
فَكُلَّمَا عَمِلَ الْعَبْدُ
مَعْصِيَةً نَزَلَ إِلَى أَسْفَلَ، دَرَجَةً، وَلاَ يَزَالُ فِي نُزُولٍ حَتَّى
يَكُونَ مِنَ الأَْسْفَلِينَ، وَكُلَّمَا عَمِلَ طَاعَةً ارْتَفَعَ بِهَا
دَرَجَةً، وَلاَ يَزَالُ فِي ارْتِفَاعٍ حَتَّى يَكُونَ مِنَ الأَْعْلَيْنَ.
وَقَدْ يَجْتَمِعُ
لِلْعَبْدِ فِي أَيَّامِ حَيَاتِهِ الصُّعُودُ مِنْ وَجْهٍ، وَالنُّزُولُ مِنْ
وَجْهٍ، وَأَيُّهُمَا كَانَ أَغْلَبَ عَلَيْهِ كَانَ مِنْ أَهْلِهِ، فَلَيْسَ مَنْ
صَعِدَ مِائَةَ دَرَجَةٍ وَنَزَلَ دَرَجَةً وَاحِدَةً، كَمَنْ كَانَ بِالْعَكْسِ.
****
الشرح
ومِن عُقوبات المَعاصي: أنها تُخرج صاحبَها عن دَائرة المُتقين والمُؤمنين، وتَجعله في دائرةِ السِّفْلَة والمُنحطِّين؛ لأن الطاعةَ عِزٌّ ورِفعة،
الصفحة 1 / 436