الْقِسْمُ الرَّابِعُ: مَنْ
لَهُ قُوَّةٌ وَهِمَّةٌ وَعَزِيمَةٌ، لَكِنَّهُ ضَعِيفُ الْبَصِيرَةِ فِي
الدِّينِ، لاَ يَكَادُ يُمَيِّزُ بَيْنَ أَوْلِيَاءِ الرَّحْمَنِ وَأَوْلِيَاءِ
الشَّيْطَانِ، بَلْ يَحْسَبُ كُلَّ سَوْدَاءَ تَمْرَةً وَكُلَّ بَيْضَاءَ
شَحْمَةً، يَحْسَبُ الْوَرَمَ شَحْمًا وَالدَّوَاءَ النَّافِعَ سُمًّا.
وَلَيْسَ فِي هَؤُلاَءِ مَنْ
يَصْلُحُ لِلإِْمَامَةِ فِي الدِّينِ، وَلاَ هُوَ مَوْضِعٌ لَهَا سِوَى الْقِسْمِ
الأَْوَّلِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَجَعَلۡنَا مِنۡهُمۡ
أَئِمَّةٗ يَهۡدُونَ بِأَمۡرِنَا لَمَّا صَبَرُواْۖ وَكَانُواْ بَِٔايَٰتِنَا
يُوقِنُونَ} [السَّجْدَةِ:
24] . فَأَخْبَرَ سُبْحَانَهُ أَنَّ بِالصَّبْرِ وَالْيَقِينِ نَالُوا
الإِْمَامَةَ فِي الدِّينِ.
وَهَؤُلاَءِ هُمُ الَّذِينَ
اسْتَثْنَاهُمُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ مِنْ جُمْلَةِ الْخَاسِرِينَ، وَأَقْسَمَ
بِالْعَصْرِ - الَّذِي هُوَ زَمَنُ سَعْيِ الْخَاسِرِينَ وَالرَّابِحِينَ - عَلَى
أَنَّ مَنْ عَدَاهُمْ فَهُوَ مِنَ الْخَاسِرِينَ، فَقَالَ تَعَالَى: {وَٱلۡعَصۡرِ
١إِنَّ ٱلۡإِنسَٰنَ لَفِي خُسۡرٍ ٢إِلَّا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِ
وَتَوَاصَوۡاْ بِٱلۡحَقِّ وَتَوَاصَوۡاْ بِٱلصَّبۡرِ ٣} [الْعَصْرِ: 1- 3] .
****
الشرح
ومِن عُقوبات
المَعاصي: أنها تُؤثر في القُلوب، وهذا دلَّ عليهِ الكتابُ والسنَّة، قالَ اللهُ
تبارك وتعالى : {كَلَّاۖ
بَلۡۜ رَانَ عَلَىٰ قُلُوبِهِم مَّا كَانُواْ يَكۡسِبُونَ} [المطففين: 14] ، يعني: ما كَانوا يكسبُونه مِن المَعاصي
جعلَه اللهُ عَلى قُلوبهم رَانًا - وهو: الغلافُ الذِي يكُون على القَلب - فلا
يَصِل إليها النُّور عقوبةً لهم بسببِ المَعصية.
وفي الحَديث: «إِنَّ العَبْدَ إِذَا أَخْطَأَ خَطِيئَةً نُكِتَتْ فِي قَلْبِهِ نُكْتَةٌ سَوْدَاءُ، فَإِذَا هُوَ نَزَعَ وَاسْتَغْفَرَ وَتَابَ صُقِلَ قَلْبُهُ، وَإِنْ عَادَ زِيدَ فِيهَا حَتَّى تَعْلُوَ قَلْبَهُ، وَهُوَ الرَّانُ الَّذِي ذَكَرَ اللهُ عز وجل : {كَلَّاۖ بَلۡۜ رَانَ عَلَىٰ قُلُوبِهِم مَّا كَانُواْ يَكۡسِبُونَ} » ([1]).
([1])أخرجه: الترمذي رقم (3334)، وابن ماجه رقم (4244)، وأحمد رقم (7952).