وقوله: «وَأَقَامَ سُوقَ الْجِهَادِ فِي هَذِهِ
الدَّارِ»، يَبيعُ فيه المُؤمنون أنفسَهم وأَمْوَالهم، ويَشْتَرُون الجَنة: { إِنَّ ٱللَّهَ
ٱشۡتَرَىٰ مِنَ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ أَنفُسَهُمۡ وَأَمۡوَٰلَهُم بِأَنَّ لَهُمُ ٱلۡجَنَّةَۚ
} [التوبة: 111] ما
هُم يَحصلون عليها عَفوًا {يُقَٰتِلُونَ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ
فَيَقۡتُلُونَ وَيُقۡتَلُونَۖ وَعۡدًا عَلَيۡهِ حَقّٗا فِي ٱلتَّوۡرَىٰةِ وَٱلۡإِنجِيلِ
وَٱلۡقُرۡءَانِۚ} [التوبة: 111] ، في هَذه البَيْعَة: المُشترِي هو اللهُ، والبَائعُ هو
المُؤمِن، والوَسِيط هو رَسُول اللهِ، والثَّمَن هو الجَنَّة، والوَثِيقة
المَكتُوب فِيها: التَّوْرَاة والإِنْجِيل والقُرآن، فما أعظمَه مِن بَيعٍ!
والإنسانُ يُحِب التِّجارة،
ويَسعى في البَيع والشِّراء لتَحصيل التِّجارة في الدنيَا، وهَذه التِّجارة وإن
حصلتْ فهِي فانيةٌ، وهِي ابتلاءٌ وامتحانٌ، وتَضُرّ صاحبَها أكثرَ مِمّا تنفعُه،
لكن التِّجارة الرَّابحة المَضمونة هي تجارةُ الآخرةِ، قالَ تَعالى: {يَٰٓأَيُّهَا
ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ هَلۡ أَدُلُّكُمۡ عَلَىٰ تِجَٰرَةٖ تُنجِيكُم مِّنۡ عَذَابٍ أَلِيمٖ
١٠تُؤۡمِنُونَ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦ وَتُجَٰهِدُونَ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ بِأَمۡوَٰلِكُمۡ
وَأَنفُسِكُمۡۚ ذَٰلِكُمۡ خَيۡرٞ لَّكُمۡ إِن كُنتُمۡ تَعۡلَمُونَ ١١ يَغۡفِرۡ
لَكُمۡ ذُنُوبَكُمۡ وَيُدۡخِلۡكُمۡ جَنَّٰتٖ تَجۡرِي مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَٰرُ
وَمَسَٰكِنَ طَيِّبَةٗ فِي جَنَّٰتِ عَدۡنٖۚ ذَٰلِكَ ٱلۡفَوۡزُ ٱلۡعَظِيمُ ١٢وَأُخۡرَىٰ
تُحِبُّونَهَاۖ نَصۡرٞ مِّنَ ٱللَّهِ وَفَتۡحٞ قَرِيبٞۗ وَبَشِّرِ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ
١٣ } [الصف: 10- 13] .
هذه هِي التِّجارة البَاقية، وإن كانَ كثيرٌ مِن الخَلْق يَغفلُون عنها، ويَشتغلون بتِجارة الدنيَا.