وإنما يُغرونه بسَماع الباطلِ؛ لأن هذَا يؤثِّر
على قلبِه، ولأن السمعَ والبصرَ من أهمِّ الثُّغور.
ولهذا قالَ اللهُ جل وعلا : {إِنَّ ٱلسَّمۡعَ
وَٱلۡبَصَرَ وَٱلۡفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَٰٓئِكَ كَانَ عَنۡهُ مَسُۡٔولٗا} [الإسراء: 36] .
فإذا أمسكَ جنودُ إبليسَ هذه
الثُّغور على الإنسانِ، جَعلوه لا يُبصر إلا فِتنة وشرًّا، ولا يسمعُ إلا باطلاً،
وهذا حالُ كثيرٍ من الناسِ - إلا مَن رحمَ اللهُ عز وجل - فلذلكَ تفسدُ قلوبُهم؛
لأن القلوبَ تتأثَّر بما يَصِل إليها مِن هذه المَنافذ.
فيَمنعُونه مِن سَماع الخيرِ
ابتداءً، ولا يسمعُ إلا شرًّا كالأغانِي والمَزامِير، والغِيبة والنَّميمة،
والكَلام المُحرَّم، وإن غلبَ الشياطينَ ودخلَ شيءٌ مِن الخَير، فإنهم يَحُولُون
بينَه وبينَ فَهْمِه، فهو يسمعُه لكن لا يَفهمه، وإذا لم يَفهمْه فلا فائدةَ.
يعني: وَسْوِسُوا له بهذه
الوَساوِس: أن هَذا لا يُمكن أن تفهمَه، ولو فهمتَه فهو ثقيلٌ عليك، فلا تَشُقَّ
على نَفسك، ورَوِّح عَن نفسِك... إلى آخرِه.
أو يقولونَ له: إن هذا الذِي
تَسمعه لا قيمةَ له، والناسُ الآنَ تقدَّموا، وصَاروا يَطِيرون في الجَوِّ، وأنتَ
لا زِلْتَ معَ قالَ اللهُ وقالَ رسولُه! فيُزَهِّدونه في سَماع العِلْم وسماعِ
الذِّكر، ويَقولون له: هَذا تَأخُّر، وهذا رَجْعِيّة، وإن عملتَ به ستكونُ غريباً
بين الناسِ، وسَتكون مضحكةً للناسِ، فدَعْكَ منه وكُن مع الناسِ؛ لئلاَّ يسخرَ منك
أو يستهزئَ بك أحدٌ.
أو يقولونَ له: هَذه أدلَّة سَمعيةٌ لا تُفِيد العِلم واليَقين، وإنما تُفِيد الظَّنَّ، فدَعِ الظنَّ إلى اليقينِ... إلى آخر ما يَقوله شياطينُ الجِنّ والإنسِ.