وَاعْلَمُوا أَنَّ أَكْبَرَ أَعْوَانِكُمْ عَلَى
لُزُومِ هَذِهِ الثُّغُورِ مُصَالَحَةُ النَّفْسِ الأَْمَّارَةِ، فَأَعْيُنوهَا
وَاسْتَعِينُوا بِهَا، وَأَمِدُّوهَا وَاسْتَمِدُّوا مِنْهَا، وَكُونُوا مَعَهَا
عَلَى حَرْبِ النَّفْسِ الْمُطْمَئِنَّةِ، فَاجْتَهِدُوا فِي كَسْرِهَا
وَإِبْطَالِ قُوَاهَا، وَلاَ سَبِيلَ إِلَى ذَلِكَ إِلاَّ بِقَطْعِ مَوَادِّهَا
عَنْهَا.
فَإِذَا انْقَطَعَتْ
مَوَادُّهَا وَقَوِيَتْ مَوَادُّ النَّفْسِ الأَْمَّارَةِ، وَأطَاعَتْ لَكُمْ
أَعْوَانُهَا، فَاسْتَنْزِلُوا الْقَلْبَ مِنْ حِصْنِهِ، وَاعْزِلُوهُ عَنْ
مَمْلَكَتِهِ، وَوَلُّوا مَكَانَهُ النَّفْسَ الأَْمَّارَةَ، فَإِنَّهَا لاَ
تَأْمُرُ إِلاَّ بِمَا تَهْوَوْنَهُ وَتُحِبُّونَهُ، وَلاَ تَجِيئُكُمْ بِمَا
تَكْرَهُونَهُ أَلْبَتَّةَ، مَعَ أَنَّهَا لاَ تُخَالِفُكُمْ فِي شَيْءٍ
تُشِيرُونَ بِهِ عَلَيْهَا، بَلْ إِذَا أَشَرْتُمْ عَلَيْهَا بِشَيْءٍ بَادَرَتْ
إِلَى فِعْلِهِ.
فَإِنْ أَحْسَسْتُمْ مِنَ
الْقَلْبِ مُنَازَعَةً إِلَى مَمْلَكَتِهِ، وَأَرَدْتُمُ الأَْمْنَ مِنْ ذَلِكَ،
فَاعْقِدُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّفْسِ عَقْدَ النِّكَاحِ، فَزَيِّنُوهَا
وَجَمِّلُوهَا، وَأَرُوهَا إِيَّاهُ فِي أَحْسَنِ صُورَةِ عَرُوسٍ تُوجَدُ،
وَقُولُوا لَهُ: ذُقْ طَعْمَ هَذَا الْوِصَالِ وَالتَّمَتُّعِ بِهَذِهِ الْعَرُوسِ
كَمَا ذُقْتَ طَعْمَ الْحَرْبِ، وَبَاشَرْتَ مَرَارَةَ الطَّعْنِ وَالضَّرْبِ،
ثُمَّ وَازِنْ بَيْنَ لَذَّةِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، وَمَرَارَةِ تِلْكَ
الْمُحَارَبَةِ، فَدَعِ الْحَرْبَ تَضَعُ أَوْزَارَهَا، فَلَيْسَتْ بِيَوْمٍ
وَتَنْقَضِي، وَإِنَّمَا هُوَ حَرْبٌ مُتَّصِلٌ بِالْمَوْتِ، وَقُوَاكَ تَضْعُفُ
عَنْ حَرْبٍ دَائِمٍ.
وَاسْتَعِينُوا يَا بَنِيَّ
بِجُنْدَيْنِ عَظِيمَيْنِ لَنْ تُغْلَبُوا مَعَهُمَا:
أَحَدُهُمَا: جُنْدُ
الْغَفْلَةِ، فَأَغْفِلُوا قُلُوبَ بَنِي آدَمَ عَنِ اللَّهِ تَعَالَى وَالدَّارِ
الآْخِرَةِ بِكُلِّ طَرِيقٍ، فَلَيْسَ لَكُمْ شَيْءٌ أَبْلَغَ فِي تَحْصِيلِ غَرَضِكِمْ
مِنْ ذَلِكَ، فَإِنَّ الْقَلْبَ إِذَا غَفَلَ عَنِ اللَّهِ تَعَالَى تَمَكَّنْتُمْ
مِنْهُ وَمِنْ إِغوَائِهِ.
الثَّانِي: جُنْدُ الشَّهَوَاتِ، فَزَيِّنُوهَا فِي قُلُوبِهِمْ، وَحَسِّنُوهَا فِي أَعْيُنِهِمْ.