فَأَيُّ عُقُوبَةٍ أَعْظَمُ
مِنْ عُقُوبَةِ مَنْ أَهْمَلَ نَفْسَهُ وَضَيَّعَهَا، وَنَسِيَ مَصَالِحَهَا
وَدَاءَهَا وَدَوَاءَهَا، وَأَسْبَابَ سَعَادَتِهَا وَفَلاَحِهَا وَصَلاَحِهَا
وَحَيَاتِهَا الأَْبَدِيَّةِ فِي النَّعِيمِ الْمُقِيمِ؟!
****
الشرح
ومِن عُقوبات
المَعاصي: أنها تُنسِي العبدَ نفسَه، فإذا نَسِيَ نفسَه أهلكَها ولم يأخُذ بزِمام ما
يضرُّها، واللهُ جل وعلا يقول: {وَنَفۡسٖ وَمَا سَوَّىٰهَا ٧فَأَلۡهَمَهَا
فُجُورَهَا وَتَقۡوَىٰهَا ٨قَدۡ أَفۡلَحَ مَن زَكَّىٰهَا ٩وَقَدۡ خَابَ مَن دَسَّىٰهَا
١٠} [الشمس: 7- 10] ،
فقَوله: {زَكَّىٰهَا} أي: بالطاعاتِ،
وقَوله: {دَسَّىٰهَا} أي: دَسَّها في
التُّراب، وأهانها بالمَعاصي.
واللهُ عز وجل يَقول: {وَلَا
تَكُونُواْ كَٱلَّذِينَ نَسُواْ ٱللَّهَ} يعني: عَصَوْا اللهَ، وتَركُوا طاعتَه {
فَأَنسَىٰهُمۡ أَنفُسَهُمۡۚ} [الحشر: 19] هَذه هِي عُقوبتهم، أنهم لمَّا نَسوا اللهَ
أنسَاهم أنفسَهم، فالجَزاء مِن جِنس العَمل، ولو أنهم ذكرُوا اللهَ لذَكَّرَهم
أنفسَهم، فلمَّا نَسوا ذِكره وطَاعته نَسيهم.
وليس مَعنى ذلك: أنه ذهبَ عنهم سُبحانه وغفلَ عنهم، فإن اللهَ جل وعلا لا يَغفل ولا يَنسى: {لَّا يَضِلُّ رَبِّي وَلَا يَنسَى} [طه: 52] ، فالله سبحانه وتعالى مُنَزَّه عن النِّسيان الذِي هو الذُّهول وعَدم تذكُّر الشيءِ، كما يحصلُ لبَني آدمَ، هذا اللهُ مُنزَّهٌ عنه، وإنما مَعنى { فَنَسِيَهُمۡۚ} أنه تركَهم ولم يَعبأْ بهم، كما في قَوله تَعالى: {بِمَا نَسِيتُمۡ لِقَآءَ يَوۡمِكُمۡ هَٰذَآ إِنَّا نَسِينَٰكُمۡۖ} [السجدة: 14] ، أي: تَرَكنَاكم وأَهملناكم، وليسَ مَعناه أنه نَسِيهم بمَعنى الذُّهول الذِي يُصِيب الإنسانَ.