وَلِهَذَا لَمَّا كَانَ
دَاعِي الطِّبَاعِ إِلَى الزِّنَا مِنْ أَقْوَى الدَّوَاعِي؛ كَانَتْ عُقُوبَتُهُ
الْعُظْمَى مِنْ أَشْنَعِ الْقِتْلاَتِ وَأَعْظَمِهَا، وَعُقُوبَتُهُ السَّهْلَةُ
أَعْلَى أَنْوَاعِ الْجَلْدِ مَعَ زِيَادَةِ التَّغْرِيبِ.
وَلَمَّا كَانَتْ جَرِيمَةُ
اللِّوَاطِ فِيهَا الأَْمْرَانِ؛ كَانَ حَدَّهُ الْقَتْلُ بِكُلِّ حَالٍ، وَلَمَّا
كَانَ دَاعِي السَّرِقَةِ قَوِيًّا وَمَفْسَدَتُهَا كَذَلِكَ؛ قَطَعَ فِيهَا
الْيَدَ.
وَتَأَمَّلْ حِكْمَتَهُ فِي
إِفْسَادِ الْعُضْوِ الَّذِي بَاشَرَ بِهِ الْجِنَايَةَ، كَمَا أَفْسَدَ عَلَى
قَاطِعِ الطَّرِيقِ يَدَهُ وَرِجْلَهُ اللَّتَيْنِ هُمَا آلَةُ قَطْعِهِ، وَلَمْ
يُفْسِدْ عَلَى الْقَاذِفِ لِسَانَهُ الَّذِي جَنَى بِهِ، إِذْ مَفْسَدَتُهُ تَزِيدُ
عَلَى مَفْسَدَةِ الْجِنَايَةِ وَلاَ يَبْلُغُهَا، فَاكْتَفَى مِنْ ذَلِكَ بِإِيلاَمِ
جَمِيعِ بَدَنِهِ بِالْجَلْدِ.
فَإِنْ قِيلَ: فَهَلاَّ
أَفْسَدَ عَلَى الزَّانِي فَرْجَهُ الَّذِي بَاشَرَ بِهِ الْمَعْصِيَةَ؟
قِيلَ: لِوُجُوهٍ:
أَحَدُهَا: أَنَّ مَفْسَدَةَ
ذَلِكَ تَزِيدُ عَلَى مَفْسَدَةِ الْجِنَايَةِ، إِذْ فِيهِ قَطْعُ النَّسْلِ وَتَعْرِيضُهُ
لِلْهَلاَكِ.
الثَّانِي: أَنَّ الْفَرْجَ
عُضْوٌ مَسْتُورٌ، لاَ يَحْصُلُ بِقَطْعِهِ مَقْصُودُ الْحَدِّ مِنَ الرَّدْعِ
وَالزَّجْرِ لأَِمْثَالِهِ مِنَ الْجُنَاةِ، بِخِلاَفِ قَطْعِ الْيَدِ.
الثَّالِثُ: أَنَّهُ إِذَا
قَطَعَ يَدَهُ أَبْقَى لَهُ يَدًا أُخْرَى تُعَوِّضُ عَنْهَا، بِخِلاَفِ
الْفَرْجِ.
الرَّابِعُ: أَنَّ لَذَّةَ
الزِّنَا عَمَّتْ جَمِيعَ الْبَدَنِ، فَكَانَ الأَْحْسَنُ أَنْ تَعُمَّ
الْعُقُوبَةُ جَمِيعَ الْبَدَنِ، وَذَلِكَ أَوْلَى مِنْ تَخْصِيصِهَا بِبُضْعَةٍ
مِنْهُ.
فَعُقُوبَاتُ الشَّارِعِ جَاءَتْ عَلَى أَتَمِّ الْوُجُوهِ وَأَوْفَقِهَا لِلْعَقْلِ، وَأَقْوَمِهَا بِالْمَصْلَحَةِ.