وَسَعَةُ رَحْمَتِهِ
تَتَضَمَّنُ أَنَّهُ لاَ يَهْلَكُ عَلَيْهِ أَحَدٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ بِهِ
أَهْلِ تَوْحِيدِهِ وَمَحَبَّتِهِ، فَإِنَّهُ وَاسِعُ الرَّحْمَةِ لاَ يُخْرِجُ
عَنْ دَائِرَةِ رَحِمَتِهِ إِلاَّ الأَْشْقِيَاءَ، وَلاَ أَشْقَى مِمَّنْ لَمْ
تَسَعْهُ رَحْمَتُهُ الَّتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ.
ثُمَّ سَأَلُوهُ أَنْ
يَغْفِرَ لِلتَّائِبِينَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا سَبِيلَهُ، وَهُوَ صِرَاطُهُ
الْمُوَصِّلُ إِلَيْهِ الَّذِي هُوَ مَعْرِفَتُهُ وَمَحَبَّتُهُ وَطَاعَتُهُ،
فَتَابُوا مِمَّا يَكْرَهُ، وَاتَّبَعُوا السَّبِيلَ الَّتِي يُحِبُّهَا.
ثُمَّ سَأَلُوهُ أَنْ
يَقِيَهُمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ، وَأَنْ يُدْخِلَهُمْ وَالْمُؤْمِنِينَ مِنْ
أُصُولِهِمْ وَفُرُوعِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدَهُمْ
بِهَا، وَهُوَ سُبْحَانَهُ، وَإِنْ كَانَ لاَ يُخْلِفُ الْمِيعَادَ، فَإِنَّهُ
وَعَدَهُمْ بِهَا بِأَسْبَابٍ، وَمِنْ جُمْلَتِهَا: دُعَاءُ مَلاَئِكَتِهِ لَهُمْ
أَنْ يُدْخِلَهُمْ إِيَّاهَا بِرَحْمَتِهِ الَّتِي مِنْهَا أَنْ وَفَّقَهُمْ
لأَِعْمَالِهِمْ وَأَقَامَ مَلاَئِكَتَهُ يَدْعُونَ لَهُمْ بدخولها.
ثُمَّ أَخْبَرَ سُبْحَانَهُ
عَنْ مَلاَئِكَتِهِ أَنَّهُمْ قَالُوا عَقِيبَ هَذِهِ الدَّعْوَةِ: {إِنَّكَ
أَنتَ ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡحَكِيمُ} [غَافِرٍ: 8] ، أَيْ مَصْدَرُ ذَلِكَ وَسَبَبُهُ
وَغَايَتُهُ صَادِرٌ عَنْ كَمَالِ قُدْرَتِكَ وَكَمَالِ عِلْمِكَ، فَإِنَّ
الْعِزَّةَ كَمَالُ الْقُدْرَةِ، وَالْحِكْمَةَ كَمَالُ الْعِلْمِ، وَبِهَاتَيْنِ
الصِّفَتَيْنِ يَقْضِي سبحانه وتعالى مَا شَاءَ، وَيَأْمُرُ وَيَنْهَى وَيُثِيبُ
وَيُعَاقِبُ، فَهَاتَانِ الصِّفَتَانِ مَصْدَرُ الْخَلْقِ وَالأَْمْرِ.
وَالْمَقْصُودُ: أَنَّ
عُقُوبَاتِ السَّيِّئَاتِ تَتَنَوَّعُ إِلَى عُقُوبَاتٍ شَرْعِيَّةٍ، وَعُقُوبَاتٍ
قَدَرِيَّةٍ، وَهِيَ إِمَّا فِي الْقَلْبِ، وَإِمَّا فِي الْبَدَنِ، وَإِمَّا
فِيهِمَا، وَعُقُوبَاتٍ فِي دَارِ الْبَرْزَخِ بَعْدَ الْمَوْتِ، وَعُقُوبَاتٍ
يَوْمَ عَوْدِ الأَْجْسَادِ.
فَالذَّنْبُ لاَ يَخْلُو مِنْ عُقُوبَةٍ أَلْبَتَّةَ، وَلَكِنْ لِجَهْلِ الْعَبْدِ لاَ يَشْعُرُ بِمَا فِيهِ مِنَ الْعُقُوبَةِ، لأَِنَّهُ بِمَنْزِلَةِ السَّكْرَانِ وَالْمُخَدَّرِ وَالنَّائِمِ الَّذِي لاَ يَشْعُرُ بِالأَْلَمِ، فإذا استيقظ وصحا أحس بالمؤلم.